إدارة معلومات الطاقة الأميركية ترفع توقعاتها للطلب العالمي على النفط في 2024    جولة رقابية على الأسواق والمسالخ بمنطقة نجران    المشاهير والترويج للاحتيال    الاستثمار في صناعة الكهرباء    اليابان تُقصي سورية.. والكويت تضمن التأهل    شركة مطارات الدمام تعقد ورشة عمل لتدشين 'خدمتكم شرف'    النصر يُجهّز عرضاً ضخماً للظفر بخدمات روديغير    تجهيز الخدمات المتميزة لحجاج بيت الله الحرام    الحجّ.. مشهديّة آسرة    رونالدو يقود البرتغال للفوز وديا على أيرلندا ويصل للهدف 130 دوليا    تزايد حاد في إصابات حمى الضنك في أوروبا    100 % من مدارس المملكة تنهي "التقويم الذاتي"    "أرامكو" تتم عملية الطرح الثانوي لأسهمها العادية    هانتر بايدن يدان في قضيته الجنائية    ختامها خسارة    المملكة تستضيف ذوي التوائم السيامية المفصولة للحج    النوم يقلل الشعور بالوحدة    إزالة 18 ألف م2 مبان مهجورة بالشرقية    ولي عهد الكويت: نعتز بالعلاقة المتميزة مع المملكة    وزير الخارجية يشارك في جلسة التواصل الوزارية لمجموعة بريكس    «الخارجية القطرية»: تسلمنا رد الفصائل الفلسطينية على مقترحات إسرائيل    وزير الإعلام يزور جناح «الداخلية» في معرض ملتقى إعلام الحج في مكة    «الجوازات» تعلن قدوم 1,547,295 حاجاً عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    تعليق التعاون الروسي - الإيراني    مقتل نائب رئيس مالاوي ومرافقيه في حادث طائرة    القبض على مصري في القصيم لترويجه مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    الموافقة على افتتاح جمعية خيرية للكبد بجازان    البرق ينضم لإدارة النمور    السعودية للكهرباء تعلن عن تفاصيل استثماراتها ومشاريعها لحج 1445 ه    سفير المملكة في الأردن يودع 1000 حاج وحاجة فلسطيني    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة منيرة بنت محمد بن تركي    المعارضة البريطانية تتقدم.. وسوناك يربك المحافظين    توفير البيئة الآمنة للكشافة في معسكرات الخدمة العامة    فضائل العشر من ذي الحجة    المظالم ومدن يوقعان اتفاقية للربط الرقمي    العاهل الأردني: شبح المجاعة يهدد غزة.. السيسي يدعو لدعم «الأونروا»    أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    وفدٌ مجلس الشورى يقوم بزيارة إلى الهيئة الملكية بالجبيل    صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يستعد لاستقبال الحجاج    الذهب يفقد بريقه والنفط فوق 80 دولاراً    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    أمن الحج.. خط أحمر    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    للمعلومية    الهلال يسرق شعبية كريستيانو من النصر    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احياء الوسط التاريخي .. هوية لا تنتهي
نشر في اليوم يوم 25 - 09 - 2002

نتحدث كثيرا عن وسط المدينة الذي يعاني دائما من مشاكل كثيرة أهمها ضياع العمارة التاريخية وتراجع الخصائص البصرية التي تغذي ذاكرة المدينة وتبني هويتها .. على ان الأمر اللاقت للنظر هو عدم تطور آليات تحمي هذا الإرث المهم , فنحن نرى تسارعا مستمرا للهدم وتدهورا واضحا في البنية البصرية لوسط المدينة وفي هذا خسائر ثقافية بعيدة المدى ستفقد مدننا امكانية التفرد , وستجعلها مدنا عادية لا نكهة لها ولا هوية ..
ربما يشعر بعضنا بشيء من الحسرة ويرى مدن الدنيا وهي تمتلئ في وسطها بينما تتحول مناطقنا التاريخية الى خرائب على انني اشعر احيانا ببعض التفاؤل عندما ازور مدينة عربية واجد فيها بعض الحياة ,. في العام الماضي تلقيت دعوة من مؤسسة جائزة الاغا خان لحضور حفل توزيع الجوائز في مدينة حلب السورية ,وكم كانت تلك الرحلة موقظة للذاكرة .. وكم كانت حلب رائعة بعبقها وتاريخها وعمارتها الشامخة وسوقها التقليدي وازقتها وحواريها .. اذكر انني في احد ايام تلك الرحلة كنت جالسا مع المعماري السعودي المعروف علي الشعيبي ( وهو احد المعماريين المعروفين باهتمامهم الشديد بالعمارة المحلية في المملكة وله اعمال كثيرة في هذا المجال نالت جوائز عالمية منها جائزة الاغاخان)
أقول اننا كنا جالسين في احد المقاهي على طرف السوق التقليدي ومقابل قلعة حلب الرائعة وكنا نتحدث عن حلب وعبقها الذي لا يتكرر في مكان آخر وذكرنا كيف ان التحول السريع الذي شهدته مدننا (في المملكة) أفقدها هذا العبق وكأن قدر المدن العربية (ذات الدخل المنخفض) ان تعيش بتاريخها بينما نفضت المدن البترولية الماضي عن جسدها ولبست ثيابا جديدة , قد نجدها في أي مكان , ونستطيع ان نشتريها بأي ثمن , مع ان المدن الغربية وهي اكثر ثراء ومقدرة على التغيير حافظت على خصوصيتها .. لقد كان ذلك الحديث في ذلك المكان يبعث على الحسرة مع شعور عميق بالانتعاش يحدثه ايقاع المكان الصاخب ثقافة .. تذكرت وانا امشي في ازقة حلب , لندن التي تعج ثقافة وتتقاطر فيها الجمل البصرية تاريخا وحضارة , وهي المدينة الكبرى التي يعيش فيها اكثر من عشرة ملايين انسان.
تلك المدينة التي تربطني بها ذكريات رائعة لا يخلو بعضها من الألم , فكم في هذه المدينة من جدار يناشد المارة للحديث لمحاولة الاكتشاف وكم في هذه المدينة من زقاق خرج منه عباقرة اناروا العالم , لندن المدينة التي تشع حياة , والمدينة التي تبعث على الكآبة احيانا كلها تجتمع داخلي , ربما لعشق التاريخ دور في ذلك , للمكان الذي يجعلك تعيش ذلك التاريخ المختزن في النقوش وفي الحجارة , المتدافع بحدة من الذاكرة , لا تستطيع الهروب منه ابدا , لقد نجحت هذه المدينة في صناعة التاريخ , كمسرح نلعب جميعا , الساكنون والزوار , ادوارا , وفي كل مكان يتبدل الدور , عندما اذهب الى (كوفنت جاردن) اجد ذلك السوق الذي كان يوما لبيع الخضار وقد حافظ على جماله الانشائي والمعماري واضاف جمالا انسانيا بأبعاد لا نهائية.. الفنانون , الرسامون , الموسيقيون , العابثون , الباحثون عن الثقافة والباحثون على مجرد الفرد يمتلئ بهم المكان , استطيع الا ان اصمت واترك عيني تلتقط ما تستطيع أن تلتقطه.. وعندما اذهب الى شارع (سانت كريستوفر) ذلك الزقاق الصغير يملؤني الانبهار وانا ارى البساطة المتناهية للفضاء الحضري وقد جمع ثلة من المثقفين الإنجليز , تعج بهم المقاهي , مكان صغير في مساحته كبير في قيمته , لندن مدينة تعرف كيف تصنع الحياة , تجد فيها كل ما تريد دون ان تفقد بريقها وتاريخها , ينقلني شارع (سانت كريستوفر) الى الحي اللاتيني في باريس , فطالما عشت في ذلك الحي مع توفيق الحكيم وزكي مبارك , وكثير من أدبائنا الذين شكلوا ذاكرتي المكانية الأولى.. كم تخيلت نفسي ايام الصبا وانا جالس على طرف احد تلك المقاهي التي قرأتها حروفا في روايات عربية لم أعد اذكر حتى عناوينها ولكن اذكر احداها لسهيل ادريس (الحي اللاتيني) كم أثارتني تلك الرواية .. وكم رسمت في مخيلتي الف مكان وصورة وحدث للحي اللاتيني (سان ميشيل) ومع ذلك فلم يختلف خيالي كثيرا عن صورة ذلك الحي القديم القابع بالقرب من نهر السين بأزقته الضيقة ومقاهيه المفتوحة ابدا على الخارج .. باريس , مدينة النور كما كان يسميها أدباؤنا ففي النصف الأول من القرن العشرين , مدينة تفاجئك في كل شيء كل مرة , شوارعها الحدائقية (الشانزليزية) متاحفها مدينة تقدر الفن وتصنع الجمال مع انها مدينة عملية , تعمل بجد واجتهاد , لا اعلم لماذا لا اجد في مدننا العربية هذا التضاد , الجمال والتجارة , انتعاش جمالي , تجاري مع انني اجد الفرصة مهيأة دائما , ربما وجدت بعض ضالتي في مدينة دبي , فقد كنت قبل ايام أجوب المنطقة القديمة (عيال ناصر) و(سوق نايف ) ووجدت كيف أن الشوارع الداخلية قد تحولت الى طرق للمشاة مرصفة وان هناك تحولا في المنطقة يشير الى ظهور بعض المقاهي المنفتحة على تلك الطرق .. مشهد جميل قد يخلو من ملامح جمالية عمرانية راقية , ولكنه مشهد انساني جميل لو امتد للمناطق التقليدية (ص السيتكية) و ( الشندغة) اعتقد انه سوف يبعث في دبي حياة أخرى غير تلك التي نعرفها .. كما ان جده القديمة التي أمضت ثلاثة عقود تقريبا منذ بدأت أولى خطواتها للمحافظة على نسيجها العمراني القديم لم تصنع الكثير لتحول هذا النسيج الى مكان للحياة .. حياة جديدة يمكن ان تعيشها جدة القديمة مع ان هناك بعض البيوت التي تحولت الى مكاتب وبعضها الآخر الى مطاعم ولكن هناك الكثير الذي يجب أن يعمل . وفي الرياض تنتشر المقاهي بكثرة في كل مكان دون تصنع فضاء حضري ممتع ولا اعلم لماذا لم تتركز كثير من تلك المقاهي في الوسط التاريخي للمدينة , على اقل تقدير كي تستفيد من وجود منطقة قصر الحكم ومركز التعمير ومركز الملك عبد العزيز التاريخي والاحياء القديمة التي تتساقط بيوتها يوما بعد يوم .. انني اسكن أحيانا في أبراج الخالدية بشارع الخزان (عمارة الملكة) في ادوار عليا واشاهد الأحياء القديمة التي تمتلك امكانية كبيرة كي تكون مركزا كبيرا لممارسة الثقافة الاجتماعية والتواصل مع التاريخ .. ولن أعود لمدينتي الهفوف فحديثي معها وعنها يطول ويطول فهذه المدينة التي تعج بالتاريخ وبالفن المعماري الراقي , لا تجد من يبقى لها خيط التاريخ الذي اصبح رفيعا جدا وفي أي لحظة ممكن ان ينقطع لا اعلم لماذا لا تقف مدننا قليلا وتنظر للوراء .. قد تكون ليست بحاجة لأن تنظر للأمام طوال الوقت ,, لفتة بسيطة للوراء قد تحقق كثيرا من التوازن للوسط التاريخي نحن جميعا نتطلع له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.