أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيح الدكتور صالح بن حميد أن الحياة لا تصيب إلا بسمو معناها، وهذا السمو لن يأتي إلا بإدراك العبد عظمة الخالق عز شأنه، ثم ينظر بعد ذلك في الغاية من الخلق وثمرة السعي من الخلق، وحينئذ لا تضطرب عنده الأولويات ولا تشتت الهموم ولا يتسلل إليه القلق ولا تستبد به الحياة. جاء ذلك خلال خطبة الجمعة التي ألقاها فضيلته بالمسجد الحرام، وأضاف خلالها أن معنى إدراك الحياة هو أن الله منح عباده قدرات وعلوم ومواهب وهداهم النجدين، وجعل كلاً ميسراً لما خلق له، فالله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفكم قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيباً، فحياة الإنسان مراحل وعمره منازل يحياها ويتنقل فيها ويعيشها ويعمل فيها ويتعظ من متغيراتها ويعتبر من تقلباتها، مؤكداً أن في كل مرحلة من مراحل عمر الإنسان أعمالاً تليق بها، وإن لم يحسن الاستفادة منها مضت في ضياع وانقضت في إهمال. أضاف أنه بالنظرة العاقلة فإن حياة المرء ممتدة منذ الولادة حتى الممات ما بين طفولة وفتوة، وكهولة وشيخوخة، وكلها تعلم وعلم وعبادة وإنتاج، ومن لطائف خلق الله أن ضعف البدن يقابله قوة العقل ووهن العظم يقابله قوة الفهم واشتعال الشيب يقابله ظهور الحكمة، فالإنسان مكلف ومنتج ما دام متمتعاً بقوته وعقله، هذه هي حياة الإنسان في الإسلام. كما بيّن أن الحياة مراحل؛ فموظف اليوم متقاعد الغد، وهذه هي مراحل الحياة في تنقلاتها وتقلباتها، موضحاً أنه ينبغي على هذا الموظف الكريم والعامل النبيل الذي انتهت فترة عمله أن لا يكون أسير الحياة الماضية وبوظيفة انتهت مدتها، وليس من الحكمة أن يلقي باللوم على غيره من الأهل وأرباب العمل والمجتمع والأنظمة وغيرها، ومن الطريف المعلوم أن موعد انتهاء الخدمة معلوم ومحسوب بالشهور والأيام، فلماذا المفاجئة والاضطراب؟! تابع مشيراً إلى ضرورة الحكمة في عدم تشبث المرء بمرحلة من حياته، بل ينبغي أن إحسان الظن بأن القادم أفضل، وليعلم العاقل أن مصدر السعادة ليست بالمرتب ولا بوظيفة بعينها؛ بل السعادة بعد توفيق الله وحسن عبادته في العمل، والعمل لا ينتهي، موضحاً أن العمل هو عامل الحياة الممتدة وهو باني العلاقات الاجتماعية، وهو الذي يبرز للإنسان قيمته وهذا مستمر لا ينتهي؛ فالموظف إذا ترك الوظيفة لا يترك العمل والوظيفة مدة نظامية تنتهي، أما العمل والحاجة والكفاءة فتلك باقية ما بقيت القدرة والحياة. كما قال فضيلته: إن من ينظر للتقاعد على أنه بوابة يطل منها على ميادين الحياة الفسيحة يعد حكيماً في رأيه، فهذه الميادين التي شغلته عنها وظيفته، وقد علم النابغون أن العمل والجدية والهمة لا تسأل الإنسان عن عمره، مؤكداً أن التقاعد هو نقلة وتجربة وتغيير، وليس تعطيل قدرات ولا نبذ خبرات، بل هو فرصة لإطلاق طاقات كامنة كانت الوظيفة قد قيدتها. وبيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة أن مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع والعمل في ديننا من أهم أنواع العبادات فهو كسب واستغناء وعفة ومثوبة، وإنه العمل الصالح بأوسع معانيه. وفي المدينةالمنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم عن المعاني والعبر العظيمة لغزوة بدر الكبرى التي وقعت في العام الثاني من الهجرة النبوية الشريفة، وأنها كانت لإظهار قوة المسلمين وليس للقتال. كما بين فضيلته أنه في هذه الغزوة أيد الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- بالملائكة، كما أن من حضر ذلك اليوم من المؤمنين فذنبه مغفور ومحرم على النار. موضحاً أن هذه الغزوة أظهرت مدى الحب الذي يكنه الصحابة- رضوان الله عليهم- للنبي- صلى الله عليه وسلم- مستدلاً بقول المقداد بن الأسود للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لا نقول كما قال قوم موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ}، ولكننا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك، فسُرَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لهذا القول. مضيفاً أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بات ليلته يدعو ربه ويسأله النصر؛ حتى استجاب الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم- وبشَّر أصحابه. أضاف فضيلته أن التقاء الجيشين كان بلا ميعاد لحكمة يريدها الله قال تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}، مبيناً أن الله تعالى ألقى على المؤمنين الأمن قال عز وجل: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}، كما قلل الله المشركين في أعين المسلمين، وقلل المسلمين في أعين المشركين. تابع بأن الله تعالى ألقى الرعب في قلوب المشركين بقوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}، كما ثبت المؤمنين بملائكة كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، فقُتل في هذه الغزوة 70 مشركاً.
رابط الخبر بصحيفة الوئام: إمام المسجد الحرام يوجه رسالة ل«المتقاعدين»