سألني أحد الأصدقاء عن رأيي في قريب له، وصفه ب(الكذب وخلف الوعود والمواعيد والمّنُ وإفشاء الأسرار)، حيث لاحظ عليه تكرار هذه السلوكيات حتى صارت طبعاً له. وطلب رأيي في تصرفاته التي عدها حسب رأيه من «النفاق» الموجب للدرك الأسفل من النار، استنادا لوصف الرسول - صلى الله عليه وسلم- المنافق بأنه «إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اُئتمن خان». فأخبرته أن تصرفات قريبة تعد من النفاق السلوكي وليس العَقدي، ومن يتصف بذلك فإن فعله متى ما ثبت يعد من الإثم الذي يعاقب عليه بعقوبه تعزيرية، تتراوح بين «التوبيخ والجلد والتشهير وغير ذلك» مما يراه القضاء خلاف ما يواجهه أخروياً. وهذا القريب لصديقنا أمثاله كثر في المجتمع، وشيوع هذه السلوكيات تعد من محارم المروءة ومنقصة لمن يتصف بها، خصوصاً إذا أصبح ذلك جزءا من سلوكه وتعاملاته وشاع أمره بين معارفه وأقاربه. وهو ما أكده لي الصديق، من أن قريبه يتلذذ بسلوكياته تلك، بل إنه يعدها من مفاخره التي يتباهى بها، ولذلك تجده فقد احترامه وتقدير أقاربه، وفقدت الثقة به. ولما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر أن المؤمن من الجائز أن يرتكب بعضاً من المحظورات، لكنه لا يكذب باعتبار أن نتائج الكذب كارثية في المجتمع، فالكذب في البيع غش وخسارة وظلم. والكذب في الوظيفة تعطيل لمصالح الناس، والكذب في الحوادث تهرب من المسؤولية، وخِلف الوعد يهدم الثقة ويولد الإحباط. مع ما يتبع ذلك من تعطيل المصالح عند إعطاء الوعود الكاذبة. والعرب ما افتخرت بشيء قدر افتخارها بالوفاء بالوعد وصدق المواعيد، حتى قال شاعرهم (وإني وإن أوعدته أو وعدته لمنجز وعدي ومخلف إيعادي)، حتى أنهم أطلقوا على من يكذب ويخلِف مواعيده «عرقوب» الذي يضرب به المثل عند العرب في الكذب، واشتهر بالمماطلة وإعطاء المواعيد الكاذبة. ومن لازمته هذه الخصال لا يحتاج أن يوضح للناس ما هو عليه من خلق، ففعله كاف ليظهر حقيقته، حيث إنه سيجني تبعات كذبه وخيانته، وفقدان الثقة به، مع ما يتبعه من سوء السمعة، بل أكاد اجزم أن معارفه وأقاربه يتبرؤون منه. ومن المهم تناول تلك الأخلاق والسلوكيات السيئة في المدرسة والإعلام وخطب الجمعة، باعتبارها خلقا سيئًا، وليست من أخلاق المسلم، حيث يأثم من كان ذلك ديدنه.