رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    دشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام.. أمير تبوك: القيادة الرشيدة حريصة على تعزيز جودة الحياة واحتياجات المجتمع    الخريف زار "إيرباص هيليكوبترز" بفرنسا.. السعودية تعزز توطين صناعة الطيران    الأعلى في فبراير منذ تسعة أشهر.. 30 مليار ريال فائض الميزان التجاري    الذهب يرتفع لأعلى مستوى.. والأسهم العالمية تنخفض    موقع حائل الاستراتيجي ميزة نسبية يجذب الاستثمار    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    في حال استمرار دعم الغرب لأوكرانيا ب"باتريوت".. موسكو تحذر من تراجع فرص السلام    غزة.. المجازر تتصاعد والمجاعة تقترب    الهند وباكستان تصعّدان وتتبادلان قصفاً على الحدود    في ختام الجولة ال 30 من دوري روشن.. كلاسيكو يجمع النصر والاتحاد.. ومهمة قصيمية للهلال والأهلي    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    كبير آسيا    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    تسري أحكام اللائحة على جميع الموظفين والعاملين.. إجازة "فحص المخدرات" بما يتناسب مع طبيعة العمل    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    المرور: الالتزام بقواعد السير لحياة أكثر أمانًا للجميع    «متلازمة داون».. تمكين ومشاركة مجتمعية    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    «أخضر الصالات» يعسكر في الدمام    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    «سفراء» ترمب في هوليوود    "البحوث والتواصل" يشارك في المنتدى الصيني - العربي    تدريبات جوية صينية - مصرية    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة    اقتصاد متجدد    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    ممنوع اصطحاب الأطفال    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفشاء السر من آفات اللسان .. وخيانة الأمانات
«الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «48»
نشر في الجزيرة يوم 09 - 09 - 2005

جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو
بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
في حياة كل إنسان أسرار، قد ترتبط بعمله أو ثروته أو علاقاته الأسرية أو الشخصية، وقد يضطر هذا الإنسان أن يبوح بأحد هذه الأسرار لإنسان آخر ويأتمنه عليه، ثم يفاجأ بأن هذا الإنسان لم يكن أميناً على سره، بل وقد يترتب على إفشاء هذا السر مفاسد وأضرار لصاحب السر أو أهله أو زملائه أو أقاربه، لهذا كله حذرنا الإسلام من إفشاء الأسرار، وعد ذلك من الخيانة، ودلائل النفاق، وعلمنا كيف نحفظ الأسرار، وضرب لنا الأمثلة على ذلك.. فما الآثار المترتبة على إفشاء الأسرار، وكيف نستطيع علاج هذا السلوك المشين؟
في البداية يقول د. عثمان بن محمد الصديقي مدير إدارة الشؤون الدينية بكلية الملك فهد الأمنية: أمرنا المولى جل في علاه بالوفاء بالعهد فقال في محكم التنزيل: ( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)، وقال أيضا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) ، وحرم الخيانة فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )، وبين عليه الصلاة والسلام أن من صفات المنافق عدم الأمانة وخيانة العهد، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
وإفشاء السر صورة من صور الخيانة وعدم احترام العهد، وهو من الأخلاق المذمومة التي لا يمكن أن يتصف بها المسلم، ولننظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ضربوا أروع الأمثلة في شدة حفاظهم على سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بابنتي) ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثاً، فبكت، فقلتُ لها: لِمَ تبكين؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلتُ: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها، فقالت: أسرّ إلي (إن جبريل كان يُعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي) فبكيت، فقال: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين؟) فضحكت لذلك. وروى البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يُحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة قال عمر: لقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثتُ ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فِيمَا عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها.
وروى أحمد في مسنده، عن يحيى بن الجزار قال: دخل ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فقالوا: يا أم المؤمنين، حدثينا عن سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان سره وعلانيته سواء، ثم ندمت، فقالت: أفشيت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فلما دخل أخبرته، فقال: (أحسنتِ).
صور إفشاء السر
ويضيف د. الصديقي: ولم يكتفِ الصحابة بضرب أروع الأمثلة لهم فحسب، بل كانوا يعودون صبيانهم على حفظ السر وعدم إفشائه، فقد روى مسلم في صحيحه، عن أنس قال: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت، قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تُحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال أنس: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك يا ثابت.
فأين نحن من تلك التربية؟ ولو قال أحد الأبناء لأحد والديه: إن لدي سراً لأحد معلميه فلربما ضربه لكي يفشي ذلك السر؟
ومن صور الخيانة وإفشاء السر- والكلام ما زال للدكتور الصديقي- إفشاء أسرار الدولة، فعدم الحفاظ على تلك الأسرار يؤدي غالباً إلى الفوضى واختلال الأمن، وكثرة الشائعات، فقد تكون تلك الأسرار من الأهمية بمكان، يأتمن ولي الأمر من يراه في حفظ أسراره فإذا بها تنكشف ويتحدث بها الناس، وقد قال الله تعالى: ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، وهذا مشاهد ومحسوس، فإن بعض ضعاف النفوس ممن استهواهم الشيطان إذا ولي منصباً مدنياً أو عسكرياً تراه حتى يُري مكانه ويظهر في وسائل الإعلام يتحدث بشيء من أسرار الدولة، وهذا من الخيانة للأمانة التي استرعاه الله إياها.
وحتى يكون السر محفوظاً لا بد أن يكون مقصوراً على بعض الناس، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقد كان حذيفة رضي الله عنه أميناً لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة يُمتدحون بكون بعضهم أميناً لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الترمذي في سننه، عن خيثمة بن أبي سبرة، قال: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه فقلت له: إني سألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فوقفت لي: فقال لي: ممن أنت؟ قلتُ: من أهل الكوفة، جئت ألتمس الخير وأطلبه، قال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه، وسلمان صاحب الكتابين؟.
ويستطرد د. عثمان الصديقي: ومن صور إفشاء السر أيضا ما يكون بين الزوجين، فقد روى مسلم في صحيحه، عن عبد الرحمن بن سعد قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها). فإن بعض الناس ممن قل حياؤهم وضعف إيمانهم يتكلمون بأوصاف زوجاتهم أمام الأجانب، وقد يتكلمون بما يدور بينه وبين زوجته من أمور الجماع وغيره أمام الأجانب والمحارم، وهذا أمر محرم وخلق ذميم، وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعله، كما في الحديث السابق، من أشر الناس منزلة يوم القيامة، وقد يحدث إفشاء السر كذلك عند التقدم لخطبة امرأة ما وقد يرى الخاطب منها ما لا يسره ولا يرضيه، فواجب عليه أن يكتم ذلك، ولا ينتهك أعراض الناس، ويفشي أسرارهم.
ومن صور إفشاء السر كذلك إفشاء سر الأموات، فبعض الناس ممن يكثر من غُسل الأموات قد يرى أموراً يستنكرها أثناء غسله للميت، أو حتى في قبره وكفنه، فيتحدث بها على الناس، وقد يذكر بعضهم بعينه، وهذا من إفشاء السر للمسلم الميت، وهو محّرم شرعاً كالمسلم الحي، فقد روى الطبراني في معجمه بسند حسن، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسّل ميتاً فستره، ستره الله من الذنوب، ومن كفنه كساه الله من السندس).
وثمة أمر ينبغي التنبيه عليه وهو أن بعض الأمور ليس من المصلحة إسرارها، بل قد يكون إسرارها وكتمها إثماً، ومن ذلك كتمان وإسرار العلم الشرعي، فقد روى البخاري في صحيحه في باب (كيف يقبض العلم) قال: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإنني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً).
أسباب الظاهرة
وتقول د. ليلى بنت سعيد السابر، الأستاذ المساعد بقسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: نعم الله على عباده كثيرة، ومن هذه النعم، نعمة الحواس والأعضاء، لا سيما اللسان، فينبغي للعبد أن يصرف هذه الحواس في طاعة الله سبحانه وتعالى والحرص على الابتعاد عن معصيته، وقد نبه الله على مسؤولية العبد تجاه هذه الحواس فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وخص الله سبحانه وتعالى اللسان فقال: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).
وإفشاء السر من مظاهر سوء استعمال هذه النعمة العظيمة وهي نعمة اللسان، سواء كان ذلك بين الزوجين أو الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء، وللأسف نجد بعض النساء -هداهن الله- تنشر أسرار زوجها أو أهله أو معارفها، وبعض الناس يسهل عليه نشر أخبار أصدقائه وجيرانه ومعارفه.. ويزداد الأمر سوءا إذا كان مؤتمنا على هذا السر ثم قام بنشره، ولهذه الظاهرة أسباب منها:
1- الاجتماعات والدوريات بين الرجال أو بين النساء التي لا تجد نصيباً من ذكر الله فيملأها الشيطان عليهم بالأحاديث التي لا فائدة منها، كالتدخل في شؤون الآخرين وإفشاء أسرارهم.
2- الغفلة التي ترد على البشر بخطر اللسان، وإنه قد يكون مصدر بلاء عليه، روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوى بها في جهنم سبعين خريفاً).
3- الفراغ لا سيما عند كثير من النساء؛ مما يجعلها لدى زيارتها أو مكالمتها لصديقة لها أو قريبة أن تتحدث في كل شيء مما يوقعها في إفشاء أسرار الآخرين، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه أحمد بسند حسن.
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام المباح؛ لأنه قد يجر إلى حرام أو مكروه.
وحول وسائل التخلص من مثل هذا السلوك تقول، د. السابر: علينا أن نرجع معا إلى هدي الإسلام في تربية النفس وتهذيبها، فمن ذلك: أن الله سبحانه وتعالى مدح المرأة المؤمنة التي تحفظ زوجها بالغيب فلا تتحدث عنه بسوء ولا تفشي أسراره، قال تعالى: ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ)، ولنتذكر جميعاً أن إفشاء السر من صفات المنافقين، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يقول: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، يعني إذا ائتمنه الناس على أموالهم أو على أسرارهم أو على أولادهم فإنه يخون، والعياذ بالله، فهذه من علامات النفاق، فينبغي أن يعود الإنسان نفسه على محاسبة نفسه على كل ما يفعل ويقول بلسانه، إذ باللسان يجري أكثر العمل من جزاء وعقاب، روى الترمذي بسند حسن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)، ولما سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عملاً يدخله الجنة، دله على أمور، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: (كف عليك هذا)، قلت: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟، فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي بسند صحيح، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله عقبة بن عامر رضي الله عن النجاة؟ قال له: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) رواه الترمذي بسند حسن.
فهذه وصايا من المصطفى بمعاهدة اللسان لما له من أثر كبير على العمل، ومما ذُكر عن الإمام أحمد أنه كان يرى السؤال عن مجيء فلان من زلات اللسان، فكيف بمن يسأل ويتكلم فيما لا يعنيه، ويفشي سره؟
إن حفظ اللسان- ومن ذلك عدم إفشاء السر- سبب بإذن الله تعالى لدخول الجنة، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يضمن لي ما بين لحييه (اللسان) وما بين فخذيه (الفرج) أضمن له الجنة)، وأن يضع الإنسان نفسه أمام عينيه، فهل يرضى أحد منا أن يُفشى سره؟ بالطبع لا، إذن فلنحب للآخرين ما نحبه لأنفسنا، ولنكره لهم ما نكره لأنفسنا.
الدروس العظيمة
أما الشيخ أحمد بن عبد العزيز الحمدان مدير مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة جدة فيقول: الحيطة والحذر من الأمور التي جعلها الله تعالى في غريزة الإنسان وجبلته، لأنها مما تقتضيه صيانته ورعايته لنفسه، ومنذ خلق الله تعالى أبانا آدم عليه السلام وزوجه حذره إبليس ومكره، وأمره أن يأخذ نفسه بالحذر منه ومن كيده فقال تعالى: (يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ)، وحذر سبحانه تعالى من الكافرين فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ)، وحذر من المنافقين فقال: ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ).
ومن أعظم مقومات الحيطة والحذر (حفظ الإنسان سره وسر من ائتمنه على سره)، ومن أسماء الله تعالى: الستير، وهو الذي يستر القبائح والعيوب والفضائح وفي الحديث: (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، وجاء في الحديث الشريف أيضا التحذير من المجاهرة بالمعاصي، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار: أن يعمل العبد بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، قد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر الله عنه).
وحفظ السر مركب من الصدق والصبر والأمانة والشهامة والوقار في رحابة صدر، وهو دليل حسن تصرف يوصف به أولو العزم، وعاقبته نيل ستر الله، وتيسر قضاء المصالح، وتقوية روابط الأخوة، قال أحد الصحابة رضي الله عنه: من كتم سره كانت الخيرة بيده.
وفي المقابل فإن إفشاء السر مركب من الخيانة واللؤم والضجر ورذالة المعدن، وهو دليل سوء تصرف وخرق، وعاقبته فضح من كشف سره، وهو مما لا يحبه الله تعالى، وقد عده ابن حجر، رحمه الله، من الكبائر، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته).. قال الحسن رحمه الله: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك. وقال ذو النون: من أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم.
ويضيف الشيخ الحمدان: وإفشاء السر يكون بكل فعل، أو ترك يفيد من ستر عنه السر بحقيقته، باللسان، أو بالإشارة، أو بالكتابة، وإفشاء السر مذموم بعامة، وهو حرام إن كان فيه إضرار بمن أفشى سره، أو كان من أفضى به إليه قد أمره بكتمه، أو دلت قرينة حاله على ذلك، أو كان مما جرت العادة بكتمانه.
والناظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد دروساً عظيمة عجيبة في كتمان الأسرار، وقد علم صلى الله عليه وسلم أن الكتمان في ذاته لا يجلب نفعاً ولا يدفع ضراً ولكنه من الأخذ بالأسباب الذي أمر الله تعالى بها، هذا وهو النبي المؤيد من الله تعالى بالوحي، ومع ذلك كان يلزم نفسه الأخذ بالأسباب، وفي هذا تعليم عظيم لأمته.
ولو نظرنا إلى سيرته صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يدعو إلى الله تعالى ويجمع صحابته في دار الأرقم سراً، ويهاجر إلى المدينة سراً، ولا يريد جهة إلا أظهر إرادة غيرها، إلا في غزوة تبوك، وكان يقول: (الحرب خدعة)، وروي عنه عليه الصلاة والسلام: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، وكل هذا يرينا أهمية أخذ النفس بالعزيمة في باب حفظ الأسرار، وخطأ البوح بما لدى المرء منها، ولو نظرنا إلى حقيقة السر لوجدناه أمانة حملها إياه من علمه، وقد ذكر الكفوي أن من الأمانة التي حملها الإنسان: كتم السر؛ وذلك أن من مقومات الأمانة؛ حفظ ما استرعي عليه المؤتمن، والسر أمر استرعاه صاحبه من أخبره به، لذلك كان بثه خيانة للأمانة ونقضاً للعهد.
وإن من أعظم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الموظف في وظيفته، وأشد منه العسكري في مهمته: أن يكون حافظاً لأسرار عمله، حذراً من البوح بها لمن ليس من أهلها، وقد نبهنا الله تعالى إلى هذا الأمر في كتابه العزيز في قصة يوسف عليه السلام فقال: )إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ( ، أي على الأسرار، وبين تعالى أن حفظ الأسرار من أسباب التمكين في الأرض، فقال عقب ذلك: (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ)، أي بهذه الأسباب والمقدمات مكنا ليوسف في الأرض.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث الرجل بالحديث، ثم التفت فهي أمانة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة، ولا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره)، وهذا من حسن حفظ ما يدور في المجالس، إن ظهر من المتحدث عدم رغبة في بثه، فإذا تحدث ثم حانت منه التفاتة فهذا يدل على خوفه أن يطلع أحد على حديثه، فإن الأمانة تقضي أن لا يذاع حديثه.
وكذا ما يقع بين الزوجين في حياتهم الزوجية مما لا ينبغي للناس أن يطلعوا عليه، من الأمانة حفظه وعدم بثه، بل إن من شر أنواع تضييع الأمانة وخيانتها: أن ينشر أحد الزوجين ما يدور بينه وبين الآخر للناس، قال عليه الصلاة والسلام: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتقضي إليه، ثم ينشر سرها).
أشد الجوارح خطورة
من جانبه يقول الداعية الشيخ عبيد بن عساف الطوياوي: حفظ اللسان عن الحرام، أمر مطلوب من كل مسلم، دلت على ذلك نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة، منها قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) عندما أثنى الله جل وعلا على المؤمنين ووصفهم بالفلاح وذكر من صفاتهم حفظ ألسنتهم عما حرم الله، ومنها أيضا قول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقوله جل وعلا: ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ففي هذه الآيات يحث تبارك وتعالى عباده على أن يحفظوا ألسنتهم عن الحرام وأن يستعملوها بالحلال الذي يعود عليهم بمنافع الدنيا وفوائد الآخرة.
وفي السنة المطهرة بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم خطورة اللسان وأمرنا بحفظه وبعدم استعماله إلا بما يعود علينا بالنفع العاجل والآجل، والأدلة كثيرة نذكر منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، فجعل صلى الله عليه وسلم ضبط اللسان على ما جاء في الشرع دليلاً على كمال الإيمان، وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه - والحديث رواه البخاري - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)، والذي بين اللحيين هو اللسان والذي بين الرجلين هو الفرج، فمن ضمن لسانه وفرجه عن ما حرم الله ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة.
فاللسان من أشد الجوارح خطراً وأعظمها ضرراً, ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)، وللأسف فإن بعض الناس يخالفون أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان، فيطلقون لأسنتهم العنان تحصد ما حرم الله، وتخوض بما نهى عنه النبي صلوات ربي وسلامه عليه، ومن ذلك عدم كتمان السر وإفشاؤه، فلم يعد لبعض الناس أسرار، ولم يعد في بعضهم من يحفظ السر، فجعل بعضهم إفشاء أسرار المسلمين بضاعة له، يعمر بها مجلسه، ويكسب ود غيره من الذين يهمهم ما لا يعنيهم، ويدفعهم حب الاستطلاع ودناءة النفس إلى معرفة ما عليه غيرهم.
وحفظ السر وكتمانه وعدم إذاعته من العهد الذي أمر الله بحفظه، ومن الأمانة التي حث الله على حفظها فقال تبارك وتعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}، أي كان مسؤلاً عند الله عن حفظه والوفاء به، وأما أن السر من الأمانة فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بأن الرجل إذا حدث الحديث ثم انصرف فقد أودع عند مستمعه أمانة عليها أن يحفظها ولا يخونه بإفشاء سره، ففي الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود بإسناد حسن من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة)، وروى أبو داود عن جابر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس، سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق)، وهذا بيان من النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب المحافظة على أسرار المجالس وعدم نقل ما يقال فيها وما يحصل بها إلا ثلاثة مجالس، هي: مجلس سفك فيه دم حرام، ومجلس اعتدي فيه على عرض حرام، ومجلس اعتدي فيه على مال بغير حق.
فهذه المجالس الثلاثة من الأمانة عدم التستر على ما يدور فيها، ويقاس على هذه المجالس المجالس التي تحاك فيها المؤامرات ضد المسلمين وضد دينهم، أو فيها خيانة أو تحريض أو مؤامرات ضد ولاة أمر المسلمين أو علمائهم.ويضيف الشيخ الطوياوي: ومما لا شك فيه أن إفشاء الأسرار التي يجب حفظها من علامات الخيانة ومن دلائل النفاق، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أوتمن خان) ولهذا كان السلف الصالح أبعد الناس عن هذه الخصلة الذميمة.والشاهد من هذا أن إفشاء السر من الأمور المحرمة في الدين ومن آفات اللسان التي يجب على المسلم أن يحذر منها ويبتعد عنها ليسلم من النار، وكذلك يجب على المسلم أن يحفظ أسراره ولا يضعها إلا عند من هو أهل لحفظها فإن حفظ الأموال أيسر من حفظ الأسرار وكما قال علي رضي الله عنه: سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره.
جرح المشاعر
أما الشيخ علي بن محمد صحفان إمام مسجد علي بن أبي طالب بالقحف بالباحة فيقول: أمرنا الإسلام بالمحافظة على جميع حقوق المسلمين، ومن أهم تلك الحقوق حفظ الأسرار وخصوصاً ما له علاقة بمكانة المسلم وكرامته الإنسانية، وفي الحديث الشريف: أنه لا يدخل الجنة نمام (والنميمة هي كشف ما يكره المسلم أن يقال عنه بأي طريقة بقول أو فعل أو غمز أو لمز، ورغم أن الجانب الديني في هذا أحكامه واضحة ولا يغالط فيها إلا مكابر إلا أنه ينبغي توضيح بعض الصور التي يقع فيها الكثير من أبناء المجتمع إما عن جهل وإما غير ذلك ولاسيما أن الأسرار في حياة الناس ذات أهمية كبرى وذات تأثير واضح، وبالتالي فمن الواجب البسط فيها بوضوح ومن هذه الصور ما يتعلق بأسرار مهمة للغاية.. وهي ما يترتب على البوح بها عواقب وخيمة ونتائج سيئة للغاية لا يعلم مداها إلا الله مثل أسرار الدولة التي لا يعرفها إلا الخاصة من المواطنين فيتظاهرون بالحديث عنها في مجالس قد يكون فيها من يستغل هذه الأسرار فيسيء للوطن ويسبب اضطراباً أو ضياعاً للأنفس والأموال، ومن الأسرار المهمة للغاية الأسرار العائلية ذات الطابع الخاص جداً التي ينتج عن إفشائها التفكك والتشاحن والبغضاء والفرقة، والمسلم الحصيف يجب أن يميز الأمور جيداً ويعرف ما يترتب على كلامه وفلتات لسانه.
ويضيف الشيخ صفحان: وهناك أسرار مهمة.. وهي ما يترتب على إفشائها خصام ومشاجرة قد تؤدي إلى نتائج كسابقها، فعلى المرء إن رأى من أخيه ما يكره إظهاره عليه أن يبادر بنصحه وتوجيهه وتوضيح الأمر وبيان العواقب المترتبة على مثل هذه الأفعال أو الأقوال وذلك بصورة خاصة فيما بينهما دون تشهير لأن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا يأتي بخير وليتذكر الحديث الشريف (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).
وهناك أسرار خاصة.. وهي ما قد يترتب كشفها جرح للمشاعر أو ترسبات في النفس مثل إفشاء ما يستقبح ظهوره للناس كالتشوهات الخلقية أو السلوكيات الخاصة التي لا يرغب الإنسان من البعض أن يعرفوها. وخلاصة القول أنه يجب على المسلم العاقل أن يكون حكيماً وناصحاً أميناً بعيداً عن تتبع العورات أو ترصد الأخطاء أو تقصي أسرار الخلق بقصد الإساءة أو التهكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.