في زمنٍ تسوده المعايير الصارمة والأنظمة المكتوبة، يغفل الكثيرون عن أعظم سياسة عرفها البشر، سياسة القلوب. إنها ليست مادة تدرس في الجامعات، ولا نظاما يصاغ في الأوراق، بل هي فطرة راقية لا يتقنها إلا الحكماء، وعلم دقيق لا يجيده إلا أصحاب البصيرة. (كُن جَميلاً تَرَ الوُجودَ جَميلا) سياسة القلوب هي ذلك الفن الرفيع في التعامل مع الناس، حيث تقدم المشاعر على المصالح، والرحمة على الحدة، واللين على الصرامة. هي أن تدبر علاقاتك لا بأوامر وتوجيهات، بل بفهم عميق للطبيعة البشرية، وبصيرة تلتقط ما لا يقال، وتعقل يسبق ردة الفعل. سياسة القلوب هي أن تعرف متى تصمت، متى تعتذر، متى تبتسم، ومتى تفتح بابك وقلبك للناس قبل أن تطلب منهم شيئًا. الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وفطرته، يسعى للاختلاط بالناس ومعاشرتهم وبناء علاقات اجتماعية لأن الإنسان السوي لا يستطيع أن يعيش في عزلة تامة عن الآخرين. في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. سياسة القلوب أو كما يقولون مسايسة القلوب، تنقذ في أحيان كثيرة زيجات من الانهيار. فبدلًا من المحاسبة الصارمة، تأتي كلمة حنونة فتطفئ نار غضب. في المدارس، الطالب الذي يجد من يفهم خوفه، يبدع. في بيئات العمل، المدير الذي يحترم مشاعر موظفيه يحصد ولاء لا يشترى. عود نفسك على هذا الفن العجيب الذي يصلح القلوب ويبني روابط العلاقات الاجتماعية، فعندما تغيب سياسة القلوب، تتحول الحياة اليومية إلى معارك. وتصبح الكلمات طعنات، والتصرفات سوء ظن، وردد في مثل هذه الحالة: ياليل ما أطولك. خاتمة: في زمن الضغوط وتباعد الأرواح رغم قرب الأجساد تبقى سياسة القلوب إذا تم إتقانها جسرا يربط الناس بالمحبة والرحمة. من أتقن فن الوصول إلى القلوب، ساد دون أن يأمر، وأحبه الناس دون أن يطلب، وترك أثراً لا يمحى بمجرد حضوره.