في مواسم الزواجات والمناسبات الاجتماعية تتصدر المشهد صوان ضخمة من اللحوم المطبوخة على هيئة كاملة، فيما يعرف ب«المفطحات» أو «القعدان» أي الجمال التي توضع بالصواني على شكلها. مشهد مألوف لم يعد مجرد طقس اجتماعي، بل تحول إلى قضية صحية وتنظيمية تفرض نفسها على طاولة النقاش. والسؤال الجاد إلى متى يستمر هذا المشهد بلا تنظيم أو ضبط؟ الطبخ بهذه الطريقة لا يخلو من أخطار واضحة؛ فالمفطح الكامل أو الحاشي الكبير غالباً ما يُطهى بطرق بدائية يصعب معها ضمان النضج الكامل للحوم، مما يفتح الباب أمام انتقال أمراض خطيرة مثل داء الحمى المالطية وغيرها من العدوى البكتيرية، والأمراض الحيوانية التي تصيب الإنسان. وزارة الصحة تحذر من هذه الممارسات منذ سنوات، لكن العادة لا تزال أقوى من صوت المنطق. الأمر لا يقف عند حدود الصحة التي تكلف الحكومة ملايين الريالات، بل يتعداه إلى الهدر الغذائي والإسراف المبالغ فيه. كم من وليمة انتهى بها المطاف إلى أكوام من الطعام الملقى في النفايات، تحت شعار «الكرم» الذي تحول في كثير من الحالات إلى تبذير فاحش وإسراف صاخب. وعلى الجانب الآخر، عادة مشاركة عشرات الأشخاص في صحن واحد أو الأكل منه على دفعات قد تبدو للبعض «رمزاً للألفة»، لكنها في الواقع لا تتناسب مع أبسط معايير الصحة العامة. فالعدوى تنتقل بسرعة، وأمراض الجهاز الهضمي والالتهابات تجد طريقها بسهولة في مثل هذه الأجواء. بل إن هذه الصورة لم تعد حتى مقبولة اجتماعياً كما كانت في السابق حينما كان لا يوجد سوى صحن واحد عند صاحب البيت. أما اليوم، فالكرم الحقيقي في المجتمعات الحديثة بات يرتبط بالنظافة وجودة الطعام وتنوعه الصحي أكثر من كثرة اللحم وضخامة الصحون. ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة إلى أن تضع وزارة البلديات ووزارة الصحة تنظيمات واضحة تُلزم المطاعم والمطابخ بعدم طبخ «المفطحات» أو «الحاشي الكامل»، والاكتفاء بتقطيع اللحوم وتقديمها بطريقة صحية راقية، أقرب إلى ما نراه في الفنادق والبوفيهات المفتوحة. التجربة ناجحة ودارجة في بعض المناطق، حيث يُحترم الذوق العام وتُحفظ الصحة، من دون أن يُنتقص من قيمة الكرم أو كرامة الضيف. وفي المقابل، من أراد أن يطبخ ذبيحة كاملة فليفعل ذلك في منزله وعلى مسؤوليته، بعيدا عن المطاعم التي تخدم جمهورا واسعا وتتحمل مسؤولية أكبر تجاه المجتمع. نحن لا نتحدث عن حرمان الناس من عاداتهم أو إلغاء موروثهم الاجتماعي، بل عن تنظيم صحي يحمي الجميع ويمنع أن تتحول عادة قديمة وطبخ بدائي إلى مصدر مرض وهدر وإسراف. الكرم الحقيقي اليوم ليس في حجم الصحن ولا عدد الرؤوس المطبوخة، بل في جودة الطعام وسلامته، وفي احترام صحة الضيوف قبل أي اعتبار آخر. لذلك يجب أن نبدأ بخطوة واعية تعيد تعريف الكرم بشكل أكثر عقلانية وصحة.