بعد أيام الحج والأضاحي وتناول اللحوم والحلويات تعالوا بنا نراجع سلوكنا الاجتماعي في التعامل مع تلك للحوم الكثيرة وهل يمكننا استثمار تلك المناسبة السنوية العظيمة بطرق مفيدة لنا وللمجتمع.؟ كم عدد الأضاحي التي تذبح سنوياً في المملكة ؟ وأيضاً لحوم الهدي في حج كل عام؟ نعم هناك مبادرات لتبريد وتجميد بعض لحوم الهدي وتوزيعها للمحتاجين وهذا جهد مشكور ورائع ولكنه لم يتطور طوال الأعوام الماضية، فلا زالت تكلفة التبريد والتجميد والتخزين والنقل عالية بالذات عند تصديره لخارج المملكة حيث تنخفض تكلفة الذبائح هناك ليكون مجموع تكاليف لحوم الهدي أعلى ربما من اللحوم المذبوحة محلياً في تلك الدول. وحتى لحوم الأضاحي لم نطور آلية للمحافظة عليها بشكل سليم ليمكن تناولها خلال الأشهر القادمة، وإنما يعمد البعض لتناولها في أيام الأضاحي بكميات كبيرة وكأنما هدفه التخلص منها ويرمى الفائض منها في حاويات القمامة. ومشهد آخر مؤلم يتكرر ألا وهو فائض الولائم في الأعراس والمناسبات التي تطالعنا به وسائل الإعلام. لازلنا نحتاج الى أسلوب مختلف للتوعية والتحذير من تلك الممارسات السيئة ولكن أساليب التوعية تلك لن تحقق الأهداف بشكل كاف وإنما يجب سن نظام للمحافظة على تلك النعم وسلامة البيئة حتى لو فرض مخالفات لتقليل الهدر في الأطعمة بالذات اللحوم في الحفلات والمطاعم، وهناك تجارب عالمية ناجحة في هذا الشأن يمكن الاستنارة بها. لتقليل الهدر الذي يحصل في لحوم الهدي والأضاحي والمناسبات أقترح إنشاء مصنع لتعليب اللحوم الطازجة ، فالتعليب هو أفضل وأسهل وسيلة لضمان سلامة الأغذية أثناء تخزينها ونقلها وتوزيعها، ويمكن انشاء مصنع لتحويل بقايا اللحوم والطعام الى أسمدة عضوية ومواد مفيدة والتوسع في المبادرات التطوعية القائمة وتحويلها الى مصدر دخل جيد بلإضافة للخدمة التي يقدمها ذلك النشاط للوطن والمجتمع والبيئة. كم نحتاج من اللحوم يومياً ؟ قبل أن أجيب على هذا السؤال المهم، أرجو منك أن تتخيل كمية اللحوم التي نتناولها يومياً من الدواجن والأسماك والتونة واللحوم الحمراء بما فيها الكباب والهامبرجر وغيرها، ثم فكر في كمية اللحوم التي نتناولها في المناسبات الاجتماعية بالذات عندما تكون ولائم زواجات أو غيرها وتخيل تلك (المفطحات) التي تقدم لثمانية أشخاص على السفرة الواحدة. إن تناول الأكل لدينا مرتبط بالعادات الإجتماعية أكثر من ارتباطه بالصحة والاحتياجات اليومية، ولنفكر في الأيام القليلة الماضية في أيام الأضاحي كم نتناول من اللحوم في الفطور والغداء والعشاء، أظنها كمية كبيرة، أليس كذلك ؟ أي تزيد عن حاجة أجسامنا اليومية، وسأخبركم بتلك الزيادة في نهاية المقال هذا. الآن دعونا نحسبها بدقة وبأسلوب علمي مبسط. يحتاج الشخص العادي الى 0.8 جم لكل كجم من وزنه بروتين، يعني لو أن شخصاً وزنه 70 كجم يحتاج الى 56 جم بروتين، وقد يزيد وزن الشخص أو ينقص لهذا فلنقل أن الاحتياج اليومي في المتوسط هو 60 جم بروتين. كيف نحصل على هذه الكمية من الأغذية ؟ الجواب أن الأغذية تختلف في محتواها من البروتينات فمثلا تحتوي اللحوم على نسبة تتراوح بين 16-28 % بروتين، وبحسبة بسيطة نعرف أن 300 جم لحم (أي ثلث كيلو) يومياً يكفي لإمداد أجسامنا بكامل حاجته للبروتينات، هذا على اعتبار أن الشخص لا يتناول بقول مثل الفول والعدس ولا حبوب ولا بيض أو حليب ومنتجاته، فإن تناول تلك الأغذية فإن حاجته للحوم تقل عن 300 جم يومياً. من خلال هذه الحسبة البسيطة يتبين أن كثير من الناس في المجتمع الخليجي يتناولون أربع الى خمس أضعاف حاجتهم للحوم والذي هو كما حسبناه مثل ربع دجاجة وقليل من البقول والحبوب يومياً. إن الزيادة في تناول اللحوم ليس مجرد استمتاع بطعمها اللذيذ ولا استجابة وتقديراً لكرم المضيف كما يقولون (الأكل على قدر المحبة) أي إذا كنت تحب المضيف فعليك أن تكثر من الأكل من طعامه، والنتيجة ماهي ؟ تلبك في المعدة وأمراض انتشرت كان أهم أسبابها تناول الأكل أكثر من الحاجة، فتناول اللحوم الحمراء أكثر من الحاجة مرتبط ببعض الأمراض والمشكلات الصحية من أبرزها الاضطرابات المعوية وسوء الهضم وإجهاد الكلى والكبد للتخلص من مواد هدم البروتين وهي مواد سامة مثل الأمونيا والبولينا، بالإضافة إلى احتمالية الإصابة بداء النقرس نتيجة ارتفاع حمض اليوريك في الدم، بل إن هناك ارتباطا بين الإكثار من تناول اللحوم وأمراض القلب والشرايين والأورام الخبيثة وأمراض العظام. لا بد من الاستفادة القصوى من اللحوم