يتوجه العراقيون هذا الأسبوع إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية تحمل طابعاً حاسماً داخلياً وإقليمياً. تبدأ عملية التصويت الأحد بمشاركة أفراد قوات الأمن والنازحين في المخيمات، على أن تجري الانتخابات العامة يوم الثلاثاء، وسط حالة من الترقب الشعبي والسياسي، وصمت انتخابي دخل حيز التنفيذ قبل ثلاثة أيام من موعد التصويت. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين وفق المفوضية العليا للانتخابات 21 مليون ناخب، سيختارون 329 نائباً لتشكيل برلمان جديد في لحظة تعاني فيها البلاد استقطاباً سياسياً، وتراجع ثقة، ومخاوف أمنية مرتبطة بالوضع الإقليمي. تراجع المشاركة شهد العراق خلال السنوات الأخيرة انخفاضاً مطرداً في نسبة الإقبال على الانتخابات، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2021 نحو 41%، وهي الأدنى منذ إقرار النظام الانتخابي الجديد بعد 2003. وعلى الرغم من وجود أكثر من 32 مليون ناخب مؤهل، حدث 21.4 مليون فقط بياناتهم وحصلوا على بطاقة الناخب، مقارنة ب24 مليوناً في انتخابات 2021. كما لن تكون هناك مراكز اقتراع خارج البلاد، ما يقلص مشاركة العراقيين في المهجر. ويعكس هذا التراجع حالة الإحباط الشعبي من التجربة الديمقراطية الممتدة منذ عشرين عاماً. الاستمرار والضغوط تعد هذه الانتخابات اختباراً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تولى رئاسة الحكومة في 2022 بدعم من قوى موالية لإيران. وعلى الرغم من محاولاته موازنة العلاقات بين طهرانوواشنطن، يواجه السوداني ضغوطا داخلية تتعلق بالنفوذ على مؤسسات الدولة، وخارجية مرتبطة بالمطالبة بكبح نفوذ الفصائل المسلحة. كما لم يسبق سوى لزعيم واحد بعد 2003 أن بقي رئيس وزراء لأكثر من ولاية، ما يجعل الطريق إلى ولاية ثانية معقداً سياسياً. وإقليمياً، تزداد المخاوف من اندلاع مواجهة بين إسرائيل وإيران قد تمتد إلى الأراضي العراقية، خصوصاً مع وجود جماعات مسلحة عراقية مرتبطة بطهران، واحتمال تعرضها لضربات إسرائيلية أو أمريكية. وتحاول بغداد الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها، وسط ضغوط من واشنطن، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الحشد الشعبي الذي أُدمج رسمياً في القوات الحكومية عام 2016، لكنه لا يزال يعمل باستقلالية واسعة. ما بعد التصويت ستشكل نسبة الإقبال مؤشراً مركزياً على ثقة الشارع العراقي في العملية السياسية، فأي انخفاض جديد سيعزز حالة فقدان الثقة، بينما قد يسمح الإقبال المرتفع بدخول وجوه إصلاحية، ولو بشكل محدود. وعلى الرغم من ذلك، لا يتوقع أن تُحدث النتائج تحولاً جذرياً في المشهد السياسي، إذ تستغرق مفاوضات تشكيل الحكومة عادةً شهوراً، وتنتهي بتسويات بين القوى الأكثر نفوذاً وتمويلاً وتسليحاً. ويتطلب النظام السياسي العراقي أن يكون رئيس الوزراء شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً، ورئيس الجمهورية كردياً. وبعد إعلان النتائج الأولية، سيحتاج البرلمان الجديد إلى انتخاب رئيس له ونوابه، ثم اختيار رئيس الجمهورية الذي يكلف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة خلال مهلة ثلاثين يوماً، وهي مهمة كثيراً ما تعثرت خلال الدورات السابقة. المرشحون والكتل يخوض الانتخابات 7744 مرشحاً يمثلون أحزاباً وكيانات سياسية غالبيتها ذات توجه طائفي، بالإضافة إلى عدد من المستقلين. وعلى الرغم من حالة الإحباط الشعبي، لفتت الأنظار مشاركة عدد غير مسبوق من الشباب، إذ تشير المفوضية إلى أن نحو 40 % من المرشحين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، في محاولة لكسر احتكار الأحزاب التقليدية للمشهد السياسي. مخاوف أمنية ترافق الانتخابات مزاعم واسعة بالفساد وشراء الأصوات. كما استبعدت المفوضية 848 مرشحاً لأسباب مختلفة، بعضها متعلق بإهانة القوات المسلحة أو الطقوس الدينية. وعلى الرغم من تراجع مستوى العنف مقارنة بسنوات سابقة، استمر خطر الاغتيالات السياسية. وبينما ينتظر العراقيون نتائج التصويت، تبدو مهمة الحكومة المقبلة واضحة وصعبة في آن واحد: تحسين الخدمات، ومكافحة الفساد، واحتواء الغضب الشعبي، لمنع تحوله إلى موجة اضطرابات جديدة في بلد أنهكته الأزمات المتواصلة.