تسود أجواء حذرة من الأمل في قطاع غزة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار يومه الثالث، في وقت تتسارع فيه التحركات الدبلوماسية والإنسانية لتكثيف المساعدات، وتهيئة الأرض لإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وسط زيارات مرتقبة لقادة دوليين في القاهرة وتل أبيب، أبرزهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. يأتي ذلك بعد حرب استمرت عامين أوقعت أكثر من 67 ألف قتيل فلسطيني ودمّرت معظم البنية التحتية في القطاع، فيما تسعى الأطراف الدولية إلى تثبيت الهدنة وتحويلها إلى مقدمة لتسوية دائمة. تدفق المساعدات بدأت الاستعدادات لزيادة حجم المساعدات الإنسانية الداخلة إلى غزة، حيث أعلنت هيئة الدفاع الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية أن عدد الشاحنات اليومية سيصل إلى نحو 600 شاحنة وفق بنود الاتفاق الجديد. وأكدت مصر إرسال 400 شاحنة محملة بالغذاء والدواء والوقود، تخضع جميعها لتفتيش القوات الإسرائيلية في معبر كرم أبو سالم قبل السماح بدخولها إلى القطاع. قمة للسلام تتجه الأنظار إلى القاهرة حيث من المقرر أن تُعقد «قمة السلام» برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بمشاركة قادة من أوروبا وآسيا. وأكد مكتب المستشار الألماني فريدريش ميرز مشاركته في القمة إلى جانب رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف. كما سيحضر رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ممثلًا عن الاتحاد الأوروبي. وذكر المتحدث باسم الحكومة الألمانية أن الهدف من الزيارة هو دعم خطة السلام ومتابعة تنفيذ الهدنة على الأرض، بينما أشارت واشنطن إلى أن ترمب سيزور إسرائيل قبل وصوله إلى مصر، حيث سيلتقي بعائلات الرهائن الإسرائيليين ويُلقي كلمة أمام الكنيست. بدوره، قال نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس إن الإدارة الأمريكية ترى في الاتفاق «فرصة حقيقية لبناء سلام طويل الأمد في غزة»، مؤكداً أن لا وجود لقوات أمريكية داخل القطاع، وأن دور واشنطن سيقتصر على المراقبة والدعم اللوجستي. إصلاح الطرق قالت المتحدثة باسم البرنامج، عبير عطيفة، إن فرق الصيانة بدأت بإصلاح الطرق المدمرة داخل القطاع لتسهيل مرور الشاحنات، في حين أكدت الأممالمتحدة استعدادها لإدخال أكثر من 170 ألف طن من الغذاء والدواء فور تلقي الضوء الأخضر الإسرائيلي. وذكر الهلال الأحمر المصري أن القوافل تأتي ضمن خطة إغاثة عاجلة تنفذ بالتنسيق مع الأممالمتحدة وبرنامج الغذاء العالمي. الرهائن والأسرى يُتوقع أن يبدأ تنفيذ المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، حيث سيتم الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء البالغ عددهم نحو 20 رهينة من أصل 48، مقابل إطلاق سراح نحو ألفي أسير فلسطيني، بينهم 250 محكوماً بالمؤبد. وقال غال هيرش، منسق شؤون الرهائن والمفقودين في إسرائيل، إن المستشفيات جاهزة لاستقبال المفرج عنهم، فيما ستُنقل جثث القتلى إلى معهد الطب الشرعي للتعرف عليهم. وفي المقابل، أكدت وزارة الصحة في غزة استعدادها لاستقبال الأسرى المحررين، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً منهم سيحتاج إلى علاج عاجل بعد ظروف احتجاز قاسية. ودعا الدكتور منير البورش، مدير عام الوزارة، إلى تسليم جثامين الكوادر الطبية التي قضت في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، والإفراج عن الطبيبين حسام أبو صفية ومروان الهمص اللذين اعتقلا خلال الحرب. عودة تدريجية مع توقف القتال، بدأ آلاف الفلسطينيين بالعودة إلى مناطقهم المدمرة شمال القطاع. وأظهرت صور الأقمار الصناعية طوابير من السيارات تتجه شمالاً على طول شارع الرشيد الساحلي، بينما نصبت خيام جديدة قرب ميناء غزة لإيواء النازحين مؤقتًا. وأكد سكان محليون أن الشرطة التابعة لوزارة الداخلية في غزة انتشرت بكثافة في الشوارع لتأمين مرور شاحنات المساعدات وتنظيم عودة المدنيين إلى الأحياء التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي. كما شرعت فرق الإنقاذ في استخراج الجثث من تحت الأنقاض، حيث تم انتشال أكثر من 230 جثة منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ. ورغم استمرار النقص الحاد في المواد الطبية وأكياس حفظ الجثث، فإن المرافق الصحية تحاول استعادة نشاطها بدعم من الهلال الأحمر الفلسطيني والأونروا، التي أعلنت امتلاكها مخزونًا غذائيًا يكفي سكان القطاع لمدة ثلاثة أشهر. مؤسسات الإغاثة ما زال الغموض يكتنف مستقبل «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من واشنطن وتل أبيب، والتي تولت إدارة عمليات الإغاثة منذ مايو الماضي. فقد تم تفكيك مواقعها الرئيسية في رفح ووسط القطاع عقب توقيع اتفاق الهدنة، فيما لم يُعلن بعد عن الجهة التي ستدير عمليات التوزيع الجديدة. وتسعى الأممالمتحدة إلى استعادة دورها الكامل عبر الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي، في وقت يواصل فيه السكان الاعتماد على المبادرات المحلية والهيئات الطبية الصغيرة لتأمين الغذاء والماء والدواء. ما الذي ينتظر سكان غزة بعد الهدنة؟ إعادة الإعمار: تقديرات الأممالمتحدة تشير إلى أن نحو %90 من البنية التحتية في غزة تحتاج إلى إعادة بناء شاملة، تشمل المساكن والمستشفيات والمدارس. تثبيت وقف النار: لا تزال مسألة ضمان استمرار الهدنة مرهونة بآليات المراقبة الدولية وتفاهمات الأطراف الإقليمية. مستقبل الحكم: لم يُحسم بعد، مصير إدارة غزة أو دور حركة حماس في المرحلة المقبلة، وسط مقترحات بتشكيل قوة دولية مؤقتة. الأمن الغذائي والصحي: يواجه السكان خطر المجاعة وانتشار الأوبئة بسبب تلوث المياه وانقطاع الكهرباء. ملف المفقودين والضحايا: فرق الإنقاذ ما زالت تبحث عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وسط تقديرات بوجود مئات الجثث التي لم تُستخرج بعد. الدعم الدولي: يتوقف تعافي غزة على سرعة تنفيذ التعهدات الدولية في قمة القاهرة، وضمان وصول المساعدات دون قيود سياسية أو عسكرية.