قال لي صديقي وشيخ الكُتّاب الشباب عامر الصيفي: «لكل عصر رجل يمسك بروحه ويحوِّلها إلى صورة»؛ وأضفت في نفسي أن المستشار تركي آل الشيخ هو أحد هؤلاء الذين التقطوا نبض الزمن السعودي الجديد، فحوَّلوه إلى حدث متواصل على الخشبة والشاشة والورق. ومن يتأمل مواسم الرياض يقرأ أكثر من مجرد جدول للحفلات والفعاليات؛ فهناك رؤية تجعل من العاصمة مسرحًا مفتوحًا للعالم، حيث يلتقي الصوت الخليجي بالصوت العربي، وتجاور الأغنية الحديثة القصيدة التراثية، ويقف على المنصات كبار نجوم الفن من مشارق الأرض ومغاربها، والحشود التي تملأ الساحات ليست جمهورًا عابرًا، وإنما شاهد على لحظة ثقافية تقول إن المملكة أصبحت قبلة للفرح والاحتفاء. ومع ذلك كله؛ فإن مهندس هذا الحراك الفني ليس إداريًا محضًا فهو شاعر كتب نصوصًا تحوَّلت إلى أغانٍ يرددها الملايين، ورجل دولة أدرك أن الترفيه ليس هامشًا في حياة الناس بقدر ما هو رئة يتنفسون منها، ولذا جاءت المبادرات التي أطلقها لتتجاوز حدود الحفل إلى تأسيس صناعة كاملة تبدأ من تنظيم المهرجانات، وتمتد إلى رعاية المواهب الشابة، وتنتهي بجوائز أدبية وفنية تجعل من الرياض منصة للتنافس والاعتراف. ولأن التاريخ الثقافي يقوم على الرموز صار اسمه مرتبطًا بمرحلة مهمة، كما ارتبطت أسماء شعراء في الجزيرة العربية بعصورهم؛ من امرئ القيس الذي جعل الشعر سلطة، إلى أحمد بن ماجد الذي جعل البحر كتابًا، يطل تركي آل الشيخ اليوم ليجمع الشعر بالموسيقى والاحتفال بالإدارة في مزيج يعكس صورة المملكة الحديثة. ولعل ما يفعله معاليه لا يقتصر على حشد الجماهير، وإنما يكتب في الذاكرة معنى آخر للنجومية، فالجمهور شريك هذا الإنجاز هو الذي يملأ المدرجات والمسارح، وهو الذي يحوِّل الحدث إلى حالة عامة تمامًا كما كانت المربعات الشعرية في المجالس الشعبية، ومواسم الإبل والخيل التي عرفها الأجداد، تصبح اليوم ساحات الرياض وأبها وجدة موضع التقاء الناس. ولم يتوقف أثر ذلك كله عند الداخل؛ إذ صار العالم يقرأ في هذه المواسم دلالة سياسية وثقافية: أن المملكة تريد أن تكون لاعبًا أساسيًا في صناعة الترفيه، وأنها قادرة على أن تجمع بين اقتصاد النفط واقتصاد الثقافة في لوحة واحدة. ذلك هو جوهر الإنجاز: أن تتحوَّل الفكرة إلى واقع، وأن يصبح الواقع أكبر من الفكرة، ويبقى أن إنجازات تركي آل الشيخ لا تُقاس بعدد الحفلات أو قيمة العقود، ولكن بقدرته على أن يضع المملكة على خارطة جديدة تتسع للفن والشعر والرياضة والفكر معًا. وحين يكتب التاريخ عن هذه المرحلة؛ سيجد أن الرجل كان أحد عناوينها، وأنه أعاد تعريف معنى الترفيه في بلدٍ كان يراه كثيرون بعيدًا عن هذا المجال، وهكذا تتسع المسارح في المملكة، وهكذا يظل الاسم حاضرًا في ذاكرة الجيل، باعتباره رمزًا لعصر اختار أن يعيد صياغة نفسه بالصوت والصورة، وبالأغنية التي تتحول إلى نشيد جماعي يردده الناس في ساحات المملكة.