شاهدت مقطع فيديو لملخص صور ومقاطع فيديو لاحتفالات مواطن سعودي داخل منزله بالأيام الوطنية السابقة على مدى أعوام، تثبت أن الوطنية لا تُقاس بعدد الساحات العامة التي نحتشد فيها كل عام، بل قد تظهر حتى في بيتٍ واحدٍ كيف يفتح أبوابه للكل، كما يفتح وطننا أحضانه للجميع، من هنا أفهم مبادرة مبارك الجرمان؛ ذلك الرجل الذي ومنذ اليوم الوطني 89 حتى 94، حوّل منزله إلى مختبرٍ حيّ للمواطنة، فيقيم دعوات إلى كل أطياف المجتمع من حوله تقريبا، وصولًا إلى العمالة الأجنبية في المهن البسيطة، ليقيم كل عام حفلا خطابيا يتخلله الموروث الشعبي من قصائد وأشعار ورقصات، بقصدٍ صريحٍ لغرس حبّ الوطن المتسع للجميع في النشء، وترسيخ صورة المملكة وطنًا مضيافًا يحتفي بالمقيم كما بالمواطن. هذه المبادرة من هذا الرجل لا تصنع احتفالًا فحسب، بل مفهوما آخر للوطن، فالجرمان وثّق تجربته بكتابٍ جمع رحلة ستة أعوام، محاولًا تحويل المبادرة الفردية إلى ذاكرةٍ عامة يمكن أن تُستلهم وتُستنسخ، فالتوثيق هنا ليس أرشفةً جامدة، بل سردية مواطنٍ يصنع قيمةً عامة من قلب بيته. ومع اقتراب اليوم الوطني الخامس والتسعين، يتجه الرجل لتوسيع هذه الفكرة لتعميمها على باقي محافظات منطقته، ليجد في كل محافظة من يستنسخ تجربته، وهنا يتحول الفعل من عاطفةٍ عابرة إلى أثرٍ قابل للقياس؛ فكم بيت فتح أبوابه؟ وكم طفل تعلم معنى التشارك؟ وكم مقيم خرج وهو يقول: هذا وطنٌ يحتفي بي كما أحتفي به؟ إن هذه الروح تتقاطع مع جوهر رؤية 2030، فالمجتمع الحيوي لا يُبنى بالخطط الرسمية وحدها، بل بشبكة من الأفعال الصغيرة المتكرّرة التي تُعيد تعريف الأسلوب العام للحياة من حولنا، بيتٌ يتحول إلى ساحة وطن، جيرةٌ تصبح مجتمعًا، وكرمٌ أصيلٌ يُترجم إلى هوية منفتحة، والنتيجة «قيمة وطنية مضافة»، ولاءٌ أعمق للأجيال، وصورةٌ ناعمة للقوة السعودية قائمة على الضيافة والتعايش، تكمّل ما تصنعه المؤسسات من منجزات. في زمن تبحث فيه الدول عن رموزٍ جامعة، يقدّم الجرمان درسًا بليغًا بأن الوطنية تُقرأ على وجوه الناس بالتعايش ومشاركة الفرحة مع الجميع، فلنبدأ من بيتٍ يفتح بابه... وبهذه الروح، يغدو الوطن فعلًا يوميًا، ويصبح البيت السعودي حقًا بيتًا للجميع، فالوطن يرحب بالجميع، وخير مثال احتفال الجرمان بأن شرع باب منزله في (يوم الوطن للمواطن والمقيم).