ليس كل ما لا يدركه العقل أو ما لا تحسه وتحيط به الحواس يجب أن ينكر، فكثير من الموجودات غير منظورة، ولكنها موجودة فعلا، لذلك يبقى حال الملحد كحال راعي إبل في صحراء الربع الخالي ينكر حقيقة وجود جبال الهملايا ويجحدها، لأنه لا يراها ماثلة أمامه عيانا، على الرغم من أنها موجودة حقيقة، بل أكثر من ذلك نجد أن الهواء الذي نتنفسه في كل لحظة، ونحسه به جميعا، هو الآخر شيء موجود على الحقيقة، ولكننا لا نراه. وإذا ما انعدمت أمامنا كل الحقائق من الذرة إلى المجرة، فلا شك أن حقيقة الموت اليقينية التي نواجهها يوميا في معيتنا، والتي سنواجهها حق اليقين في ذواتنا يوما ما مهما كابرنا، هي أكبر برهان على تهافت الإلحاد أمام حقيقة الذات الإلهية التي خلقت الموت والحياة، وجعلت الفناء قانونا حتميا مركزيا يطول الجميع على قاعدة «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». على أنه تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن لم يتقاطع العلم في أدق تفاصيله ومكتشفاته مع حقائق الدين، بل إن تناغم العلم في مكتشفاته مع القرآن الكريم أذهل العلماء والفلاسفة، حتى بدأ الكثير منهم يعلن إسلامه عن قناعة علمية تامة دون أن يطلب منه أحد ذلك. ومن هنا، فإن الدعوات إلى الإلحاد والكتابات الهدامة وازدراء الأديان ما هي إلا تعبير عن حالة ضياع فكري، وجفاف روحي، واستلاب معنوي، تغذيها عوامل كثيرة، لعل في مقدمتها توجهات ثقافة الكسب المادي، وضجيج مغريات العصرنة الصاخب، وغياب التربية الدينية الصحيحة، وغيرها. وهكذا يظل العقل الإنساني مهما كان موهوبا، ومهما تحصل عليه من العلم، قاصرا وعاجزا عن الإحاطة بالغيب وما وراء من حقائق على قاعدة «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا».