التعليم هو أساس الحضارة وعماد نهضة الأمم، وهو المفتاح الذي يفتح الأبواب أمام العقول الواعية، ويصوغ الوعي، ويزرع في النفوس بذور الإبداع والتميز، وما كان للعلم أن يثمر لولا المعلم والمعلمة، فهما القلب النابض للعملية التعليمية، والأمانة التي تحمل على عاتقها مسؤولية البناء قبل المعرفة، ورسالة حياة تتجاوز حدود الوظيفة لتغدو صناعة أجيال وتشكيل مستقبل. فهم ليسوا مجرد ناقلين للمعرفة، بل هم القدوة والمربون والموجهون، الذين يؤثرون في طلابهم بعلمهم وأخلاقهم وهديهم، فتتشكل شخصياتهم في ظلال سلوكهم وتوجيههم، ويبقى أثرهم حيًا ما بقي العلم في الصدور، وفي عصرنا الذي ازدحمت فيه المصادر وتداخلت فيه الحقائق مع الظنون، أصبح دورهم أكثر أهمية، فهم مرشدون وميسّرون، يعلّمون التفكير النقدي، ويغرسون القدرة على التمييز بين الحق والباطل، ويصونون عقول الناشئة من الانحرافات الفكرية والسلوكية. إنهم الحصن الواقي للعقول، يبينون لطلابهم المعاني الصحيحة للمفاهيم، ويحذرونهم من مصادر المعرفة المضللة، ويقودونهم نحو العلم النافع والأنشطة المثمرة، كما يتجلى دورهم في ترسيخ القيم الوطنية لدى طلابهم، فيغرسون في نفوسهم حب الوطن والانتماء إليه، ليصبحوا جيلًا قادرًا على حماية وطنه، وحفظ مجتمعه، وصناعة نهضته. فالحقيقة الراسخة التي يدركها كل مجتمع واعٍ أن المعلمين والمعلمات هم حماة الفكر وحراس القيم، ومصابيح المعرفة التي تنير طريق الأجيال، فهم يغرسون في النفوس حب التعلم، وينمّون في العقول بذور الإبداع، ليخرجوا جيلًا راسخ الفكر، ثابت المبادئ، واثق الخطى، طموح الهمة، معتزًا بهويته ومنفتحًا على العالم، قادرًا على مواكبة التحديات، وبناء المستقبل، وحمل الرسالة، وحماية مكتسبات الوطن، وبناء مجد الحضارة. ويكتمل أثرهم مع الأسرة التي تمثل المحضن الأول للتربية، فإذا كان البيت يغرس القيم الأولى في نفوس الأبناء، فإن المدرسة تعمّقها وترعاها حتى تؤتي ثمارها، ومن هذا التكامل يتشكل سياج متين يحفظ الطلاب والطالبات من الانحراف، ويؤهلهم ليكونوا أفرادًا صالحين، أسوياء الفكر والسلوك، قادرين على مواجهة تحديات المستقبل. وإذا كان القلم قد سطّر أمجاد الماضي لتاريخ الحضارات على مرّ العصور، فإن المعلم والمعلمة يُصنع بهما مستقبل الأمم وتُبنى بهما أمجاد الأوطان، لتُشرق فيه شمس المعرفة. نسأل الله أن يعينهم على أداء هذه الأمانة، وأن يوفق أبناءنا وبناتنا للعلم النافع والعمل الصالح.