تشهد المملكة تحولًا رياضيًا محوريًا في إطار رؤية 2030، ولم يعد تطوير القطاع الرياضي مقتصرًا على دعم الأندية أو تحسين البنية التحتية، بل تجاوزه إلى إعادة صياغة مفهوم النادي نفسه بوصفه كيانًا اقتصاديًا اجتماعيًا، ورافدًا من روافد التنمية والاستثمار. من أبرز ملامح هذا التحول الميمون، مشروع «تخصيص الأندية الرياضية» الذي أطلقته وزارة الرياضة، بالتعاون مع المركز الوطني للتخصيص عام 2023، والذي شهد «ثاني مراحله» انتقال ملكية «3» أندية إلى جهات استثمارية خاصة؛ وهذا التوجه، على ما فيه من بشرى تحولية، يحمل في جوهره رؤية إستراتيجية لإعادة تموضع الأندية داخل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، بما يجعلها أكثر كفاءة في إدارتها، واستدامة في تمويلها، ووضوحًا في مسؤوليتها تجاه مجتمعها وجمهورها. قوة مشروع التخصيص تتطلب قدرًا معادلًا من تكافؤ الفرص، لا سيما حين يتعلق الأمر باختيار الأندية المؤهلة للتخصيص، وتقييم العروض المقدَّمة، وضمان التوزيع المتوازن، وهو ما لفتت الطروحات النزيهة النظر إليه، من حيث الحاجة لرفع منسوب الشفافية في هذا المسار، وكلها ملحوظات لا تُعارض المسار، بل تُسهم في ترسيخ الثقة لدى المجتمع الرياضي والمستثمرين معًا. من الطبيعي في ظل هذه المرحلة الجديدة من التخصيص، أن تُطرح تساؤلات عن الأندية التي لم تُدرج بعد، رغم جاهزيتها الرمزية، وقدرتها الفعلية على التطوير؛ وحين يُذكر هذا الباب، تبرز «مكةالمكرمة» بوصفها المدينة التي تنتظر أن تأخذ موقعها المستحق في خارطة التخصيص، كونها مهبط الرسالة، والعاصمة الروحية للعالم الإسلامي، وموئلا لحركة رياضية اجتماعية ضاربة في القدم، وليس في المشهد الرياضي نادٍ يمثلها كما «نادي الوحدة»، الذي تأسس عام 1916، وظل لعقود طويلة رمزًا للمجتمع المكي، ومصنعًا للكفاءات، وملاذًا للجمهور الذي لم يخذله يومًا، رغم قلة البطولات وتراكم الظروف، التي جعلت واقعه لا يعكس ماضيه، لأسباب كثيرة منها تصدع العلاقة بين «المسيرين» و«المشجعين»، مما سبب العزوف الجماهيري المؤلم، والذي أعتبره نتيجة حتمية لمسار الانغلاق، والانفراد، والخصومات، مما صب في الأذهان فكرة مؤلمة مفادها أن النادي بات حكرًا على فئة، لا حضنًا لجماعة. الخصخصة فرصة لإعادة البناء، وأول ما يحتاجه «الوحدة» قيادة جادة تعمل بشفافية، وتُعيد للكيان هيبته، ولجماهيره ثقتهم، والمطالبة بتخصيصه لا تنبع من منطق عاطفي أو فئوي، بل من عدالة المفهوم ذاته، و«الوحدة» ليس أقل من غيره من حيث الجاهزية المؤسسية، والجماهيرية، والبنية التحتية، والموقع الجغرافي، بل يتفوق في بعض هذه العناصر، وهو ما يمثل فرصة حقيقية لمستثمر جاد يتطلع لدمج الرياضة بالتنمية، والانتماء بالاستثمار، والرمزية بالعائد، وهنا أشير إلى البيان الرسمي للوزارة المعنية الذي أشار إلى أن المستثمرين الراغبين يمكنهم التقدم بطلبات اهتمام، مما يعني أن «مكة» الآن تنتظر جهة مستعدة للتقدم، أو تحالفًا قادرًا على التشكل، و«مكة» تملك ما يكفي من الجهات التنموية، والشركات القادرة، والخبرات التشغيلية، للدخول في مثل هذا المشروع؛ ويمكن أن يُهيكل التخصيص وفقًا لصيغ مرنة، تتيح الشراكة بين القطاع الخاص والجهات غير الربحية، أو بين المستثمر والمجتمع المحلي.. أختم بأني لا أطلب امتيازًا، ولا أسعى إلى التفاف على القواعد، بل أقترح إدراج نادٍ عريق ضمن مسار مفتوح، ولا أنسى في هذا الصدد شقيقه نادي «حراء» والمؤسس عام 1968، وكلاهما بما يمثلان، لا يصح أن يكونا في خانة الانتظار، ولا في موقع المتفرجين.