مع ارتفاع وتيرة الأحداث في المنطقة، يشهد الشارع العربي انقسامًا من نوع آخر. انقسامًا حول مصالح المنطقة وأمنها، وانقسامًا حول مواقف التأييد. وهو انقسام تغذيه الروايات المتضاربة تارةً، والعواطف الدينية تارةً أخرى، والعقل الجمعي في أحيانٍ أخرى. وهنا نجد أنفسنا أمام أسئلة ملحة: هل يجب على الإنسان العادي أن يتبنى موقفًا سياسيًا من هذه الحرب؟ وإن كان ذلك، فكيف يبني هذا الموقف؟ تكمن الإجابة أولًا في معرفة أن «اللا موقف» هو موقف بحد ذاته، وحيث إن الحرب على مقربة من جغرافيتنا وتتراكم بين طيات تاريخنا، فلا مجال أمامنا لاختيار مقاعد المتفرجين. الأمم التي تتخلى عن وعيها لا تُمنح فرصة للحياد، بل تصبح أدوات في صراعات الآخرين. الشباب العربي – مثلا – الذي انخرط في صفوف ميليشيات مدعومة من أطراف الصراع هنا وهناك، ليكتشف لاحقًا أنه كان وقودًا في معارك لا تخدم مصالحه. ولنقرأ أيضًا كيف نظر البعض إلى خطاب التطبيع مع إسرائيل دون ضمانات، فألزموا أنفسهم بمواقف لا تتماشى مع فكرة السلام العادل والشامل لشعوب المنطقة. هذه ليست أخطاءً فرديةً، بل ثمرة وعي مشوّه تغذيه خطابات متطرفة أو معلومات مغلوطة. فكيف نبني موقفا واعيا الموقف الرشيد لا يُستورد من خطاب حزبي أو طائفي، ولا يُشتق من عاطفة طارئة، بل يُبنى على فهم عميق للتاريخ والمصالح. حين دعمت السعودية حقوق الفلسطينيين ورفضت التطبيع المجاني، كانت ترفض سلامًا يكرس الاحتلال. وحين حذرت سابقًا من التمدد الإيراني ورفضت وجود التهديد النووي في المنطقة، كانت تدافع عن الأمن الإقليمي والعالمي. في ضوء هذا الموقف، يمكن تقديم قراءة واعية لا تنحاز بشكل أعمى، بل تعتمد على فك شفرات المصالح. فلماذا نقع في فخ الاختيار بين عدوين؟ الأجدى أن نصنع مسارًا فكريًا ثالثًا يقوم على منطق المصلحة والكرامة لأمتنا التي أُصيبت طويلًا في وعيها السياسي. ثم كيف نحمي أجيالنا القادمة من أن تكون وقودًا لهذه الصراعات؟ الجواب يبدأ بالوعي، لكنه لا ينتهي عنده. الوعي لا يكفي إذا لم يتحول إلى ثقافة تُدرَّس، وإلى رواية مضادة للخطابات المتطرفة، وإلى حالة اكتشاف لما وراء الخطاب. في النهاية، الانتصار في الحرب ليست القضية التي نعوّل عليها نحن العرب، بل القضية الكبرى هي الرواية التي تكتبها هذه الحرب في عقولنا. السؤال ليس «مع من نقف؟»، بل «كيف نقف؟»، لأن الأمم التي لا تحسن كتابة تاريخها أو قراءة حاضرها، تُكتب نهايتها بأقلام الآخرين.