تكبر الأحلام وتزداد خصوصا عند الشباب، فيخططون ويرسمون، بل ويهيمون في دهاليز الأحلام، لكنهم مهما فعلوا أو بلغوا تظل الوظيفة هي بوابة الدخول نحو تلك الأحلام، وبدونها تقريبا كل تلك الأحلام تكون عبثا كسراب يحسبه الظمآن ماء، إلا في بعض الاستثناءات كمن لديه حرفة أو صنعة يمتاز بها، أو أن يكون له ظهر فيستند عليه ويدخل في ذلك من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. والوصول للوظيفة أو الحصول عليها يحتاج للمؤهل لأنه السبيل الوحيد للوظيفة، وإلى تحقيق تلك الأحلام، لابد من شهادة، ولذلك يبقى المؤهل حجر عثرة أمام تلك الأحلام. قبل سنوات ليست بالقليلة كانت شهادة الثانوية العامة تمثل شيئا من ذلك. كانت تؤهل أولئك الحالمون إلى بغيتهم، وتوصلهم إلى عالمهم الذي رسموه كأسرع خيار وأقرب مخرج. كانت تمثل شيئا كبيرا، أما اليوم فقد اختلف الوضع وتغيرت المعايير، فشهادة الثانوية التي نحن اليوم بصددها وعلى مشارف امتحاناتها، أصبحت ممرا ليس إلا، فهي بحد ذاتها لم تعد تسمن أو تغني من جوع، كما كانت في عهد مضى، حين كان الشباب يستميتون لأجل الحصول عليها. كانت شهادة الثانوية تمثل منفذا أو أقرب مخرج، لكنها اليوم فقدت أهليتها وتلك الامتيازات، فبقي ما قبل الثانوية مشرعا بالأحلام والآمال، وأما بعدها فقد ضيق عليه كثيرا، فصارت مجرد مسارات تصب كلها في بحر الجامعة. أصبحت دربا أو ممرا لا بد منه لكنه لا يغني أو يكفي بحد ذاته. لذلك بات لزاما على طلاب الثانوية أن يرفعوا سقف الطموح ويفكروا بما بعد الثانوية بدقة واهتمام، فالشهادات الأعلى متوافرة، عليهم التسليم بهذا الشيء فحتى النسب العليا فيها صارت تحت مقصلة اختبار القدرات والتحصيلي، وهذا الأمر لا يعني إطلاقاً إغفالها ولكن الوضع فيما بعدها. لابد أن يكونوا واقعيين وليدركوا أن حاملي الشهادة الجامعية اليوم يعانون فكيف بحاملي الثانوية؟! حتى لو حاولنا أن نكون متفائلين، الوضع اليوم لحاملي الثانوية لا يؤهل حتى للبقاء ضمن الأدوار التمهيدية، فكيف بالتأهل والتأهيل حتى مع كل تلك الجهود والاجتهادات في هذا المجال، سواء أكانت تحت بند السعودة أو خلاف ذلك. هذا هو الواقع وتلك هي الحقيقة التي يجب علينا أن ندركها ونعمل وفقها، فلا عزاء اليوم لتلك الأسر المثقلة بخريجي الجامعات فكيف بأصحاب الثانوية، خصوصا تلك الأسر التي تعلق آمالها وأحلامها على شهادة الثانوية، لكنها لا تجد بعدها إلا ذلك السراب الذي يحسبه الظمآن ماء. لقد بات اليوم ما بعد الثانوية أهم بكثير من حيث التقدير وحسن اختيار المسار، فحسن الاختيار وفق معطيات السوق والحياة والتخصصات السابقة، مالها وما عليها، يعتبر نجاحا وتوفيقا. وإلا فطوابير الانتظار فاضت بها الحياة، ولا ضير من أن تستقبل المزيد.