وزير الصناعة يدعو الشركات الأميركية للاستثمار في صناعات الأدوية واللقاحات والأجهزة الطبية بالمملكة    القبض على 9 مخالفين في جازان لتهريبهم (198) كجم "قات"    النيابة العامة تطلق حملة «الطفل أولوية»    تشكيل الأهلي المتوقع أمام القادسية    مذكرة تفاهم بين معهد الإدارة وجامعة كاليفورنيا - بيركلي    المياه الوطنية توقّع اتفاقيتين خلال مشاركتها في معرض سيتي سكيب 2025    الجيش اللبناني يعلن اعتقال نوح زعيتر أخطر تاجر مخدرات في لبنان    الأخضر يُعلن قائمته لكأس العرب    المملكة تدين هجوم إسرائيل العدواني على غزة وخان يونس وتعديها على سيادة أراضي سوريا    مدرب الهلال يعقد مؤتمراً صحفياً غداً    NHC توقّع اتفاقية لتنفيذ وحدات سكنية لمشروع "بوابة رسن" في وجهة بوابة مكة    تركي آل الشيخ يلتقي الشيخ منصور بن زايد في أبوظبي    "8" فعاليات مصاحبة تخاطب زوار كأس نادي الصقور السعودي 2025 بالظهران    الدور الملهم للأمير محمد بن سلمان في تحقيق السلام في السودان    الأنصاري: 87% من خريجي جامعة محمد بن فهد يلتحقون بسوق العمل    رفاد وهيلتون توقّعان اتفاقية لإطلاق فندق «كونراد» ضمن مشروع «مركان كوارتر» في الخبر        الفتح يكثّف تحضيراته قبل موقعة الهلال وسط موجة إصابات تضرب صفوفه    نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    العوالي توقع اتفاقية مع سدكو لإنشاء صندوق عقاري بمليار ريال    هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم لقاء بعنوان (تحديات الأمن الوطني)    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    القادسية ينظم دورة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام الرياضي" بالشراكة مع هيئة الصحفيين السعوديين    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    مُحافظ الطائف يلتقي مُديرة التطوير والشراكات بجمعية الثقافة والفنون    الأمير سعود بن نهار يشهد شراكة بين تجمُّع الطائف الصحي وجمعية "روماتيزم"    زيلينسكي يبحث في تركيا فرص السلام.. واشنطن تقود مساراً تفاوضياً جديداً لإنهاء حرب أوكرانيا    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    تعمل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.. درون وروبوت لمكافحة الحرائق بالمباني الشاهقة    إبراهيم إلى القفص الذهبي    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    مهرجان الديودراما المسرحي يحتفي بالثنائية الفنية    «وسم الثقافي» يكرم المعيبد    ترخيص فوري للبيع على الخارطة    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    الاتحاد الأوروبي يدعو لوقف القتال.. السودان.. معارك متصاعدة في كردفان    دراسة: دواء السكري يقلل فوائد التمارين    «فنون العلا 5» ينطلق في تنوع فني وتجارب أدائية غامرة    «بيئة مكة».. جولات رقابية على الخضار والأسماك    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير لجنة الحج الفرعية    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    "منبهر" يحقق كأس الحفل الثالث    «جامعة سطام» تطلق «خيمة ثقافات الشعوب»    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    لماذا يبدع ضعيف الذاكرة؟!    "سورات وميرونك" يتصدّران افتتاح بطولة السعودية الدولية 2025 للجولف    من تشجع في مباراة الفضاء؟    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    وزير الرياضة: رؤية 2030 أحدثت تحولًا جذريًا ورفعت عدد الاتحادات إلى 97 اتحادًا    عبء العلاقات الاجتماعية ثقل يتزايد بصمت    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقطاب الفكر العربي (2) بلقزيز يطالب بالتحرر من سجن اللغة والجابري ينقد العقل العربي
نشر في الوطن يوم 08 - 05 - 2019

يواصل الكاتب متعب القرني استعراض سير وأخبار وآراء وأفكار رموز الفكر العربي الذين اختار منهم 30 مفكراً في كتابه «أقطاب الفكر العربي» الصادر عن دار مدارك، مشدداً على أهمية تنوع اختياراته لأولئك الرموز حسب التوزع الجغرافي والمشاريع والأعمال التي قدموها في مجالات شتى، واضعاً شروط صارمة لاختيار من يستحق -حسب وجهة نظره- أن يكون من بين تلك الرموز.
وبعد أن تطرقنا لعرضه عن المفكرين إدوارد سعيد وبرهان غليون، نواصل اليوم عرض بعض رؤاه لمفكرين جدد..
المؤلف
متعب القرني
الناشر
دار مدارك
د التصنيف
تاريخ
الصفحات
465
الكتاب
أقطاب الفكر العربي
عبدالإله بلقزيز: العرب والحداثة
«لأنني أتهيب الأدب، لا أتطاول على مجاله ولا أريد أن أحشر اسمي في زمرة الأدباء والفنانين، فلست متأكداً أنني أستحق الانتماء إلى عالمهم.. وعلى أن الكتابة النظرية ينبغي أن تحافظ على صرامتها المفاهيمية والمنطقية..إلخ، إلا أنني من مدرسةٍ تقول: إن هذه اللغة إذا سجنت نفسك فيها تختنق، وتحتاج إلى تهوية.
لذلك أحاول ما استطعت إلى ذلك سبيلاً أن أمارس هذه التهوية من خلال ضخ ما يمكن ضخه من جماليات التعبير الأدبي العربي في صلب اللغة النظرية، وهذه ليست بدعة، فحينما نقرأ ل نيتشه ولوي ألتوسير وميشيل فوكو مثلا، فإننا نقرأ مفكراً ونقرأ أديباً».
هذه كلمات تختصر أسلوب مفكرٍ حار بين الأدب والفكر، بين التخصص والهواية، بين العقل والنظر، فظل يتصعد في معارج الأدباء تارة ويتقيد في مناهج المفكرين تارة أخرى، فحاط بهما جميعاً ما استطاع، وأنتج فسيفساء زاهية من النصوص الفلسفية الباذخة في مواضيع الفكر والسياسة.
عبدالإله بلقزيز (1959) مفكر وأديب مغربي متخصص في الفكر السياسي العربي حصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس بالرباط، وهو كاتب غزير الإنتاج، له كتابات متعددة على مستوى السياسة والاجتماع والفكر والحداثة. كتب مشروعه «العرب والحداثة» في أربعة أجزاء: «من الإصلاح إلى النهضة»، «من النهضة إلى الحداثة»، «نقد التراث» و»نقد الثقافة الغربية». كما كتب في السياسة عدداً من الكتب المتسلسلة ومنها «المسألة الوطنية الفلسطينية»، «الخطاب الإصلاحي في المغرب»، «زمن الانتفاضة»، «في الديمقراطية والمجتمع المدني»، «الإسلام والسياسة»، «الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر»، «تكوين المجال السياسي الإسلامي»، «الدولة والمجتمع»، «نقد الفكر القومي»، «العولمة والممانعة»، «ثورات وخيبات»، «الفتنة والانقسام»، «الدولة والسلطة والشرعية»، «النبوة والسياسة»، و»الدولة والدين في الاجتماع العربي الإسلامي». كما اعتنى بالثقافة وأدوار المثقف فسدد له سهام نقده في كتابه «نهاية الداعية»، بالإضافة إلى عنايته بالنصوص الأدبية إذ كتب نصوصاً باذخة بعناوين «رائحة المكان»، «ليليات» و»على صهوة الكلام»، فضلا عن نصوص شعرية متوارية عبر عن عدم رغبته في نشرها.
حصاد
اهتم بلقزيز بإعادة كتابة تاريخ الحداثة في الفكر العربي المعاصر وذلك في مشروعه «العرب والحداثة» (من أربعة أجزاء) والذي قضى في إنجازه نحو 9 سنوات 2007-2016. ويشرح هذا المشروع بأنه «ليس كتاباً في تاريخ الأفكار، إنما في التاريخ النقدي للفكر، لذلك لم أسلك فيه مسلكاً تأريخياً استعراضياً، بل حرصت على أن أنهج فيه منهجاً استشكالياً، تحليلياً-نقدياً، وأنا لذلك زعيم بأنه يقدم مطالعة نقدية أخرى لتاريخ الفكر غير ما ألفناه في دراسات ذلك التاريخ». وفي ذلك كله محاولة لإعادة الاعتبار لخطاب الحداثة «الذي يلحقه حيف شديد وتعرض لتهميش كبير من لدن معظم من تصدوا لكتابة تاريخ الفكر العربي الحديث والمعاصر من مواقع ثقافية».
وهو يرى أن زيادة الطلب على فكرة الأصالة في الأعوام الثلاثين الأخيرة «توحي بنهاية عهد الحداثة وأفكارها بسبب ضمور إسهاماتها من جهة، وتناقص أعداد المتفاعلين مع أفكارها من جهة أخرى» في حين أن «فكرة الأصالة لم تتنزل منزلة البديل من الأولى»، فالحداثة «ما انقرضت في ثقافتنا وإن أصابها الضمور والهزال». الحداثة «ليست وراءنا إنما هي أمامنا.. إنها المستقبل الذي نخطئ كثيراً إن ترددنا في اقتحام أفقه بدعوى الخشية على ذاتيتنا الحضارية. إن أكبر خطر يهدد «ذاتنا الحضارية» و»أصالتنا» ليس الحداثة إنما مزيد من التشرنق على الذات والانكفاء إلى فكرة «الأصالة».
محمد أركون: نقد العقل الإسلامي
إن مشروعي «نقد العقل الإسلامي» يمثل جزءاً لا يتجزأ من هذا البرنامج الطموح والجديد الذي يهدف إلى تفكيك مناخين من الفكر وليس مناخاً واحداً فقط. فليس المناخ الفكري العربي الإسلامي هو وحده المستهدف بالنقد أو التفكيك، إنما المناخ الفكري الغربي أيضاً. إني أهدف إلى تجاوز المنهجية الوصفية أو السردية، هذا إن لم تكن التبجيلية أو النضالية-السياسية، والمتبعة من قبل كتاب التاريخ في كلتا الجهتين. إني أسلط أضواء المنهجية النقدية-التفكيكية على الممارسة التاريخية التي حصلت في الجهة العربية-الإسلامية كما في الجهة الأوروبية، المسيحية أولاً ثم العلمانية ثانياً. فالنقد يشمل كل المسار التاريخي وليس جزءاً منه فقط».
هذه رؤية مؤرخ عاش في عصر الاستعمار السياسي والاستشراق الأكاديمي، فتعلّم الخروج على الاستعمار كناقد تأريخي، والخروج على الاستشراق كمصحح منهجي، ليقدم محاولات رائدة في إعادة فهم العقل الديني -بمعناه الثقافي والأنثربولوجي- في تطوراته التاريخية ومد التطبيقات الحداثية التي تناولت العقول المسيحية واليهودية ليعيد بها قراءة تراث الإسلام.
محمد أركون (1928-2010) مفكر وباحث ومؤرخ جزائري، نال الدكتوراه من السوربون عام 1969 مهتماً بفكر بن مسكويه (932-1030) الذي كان موضوع أطروحته. عين بعد ذلك أستاذاً لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون عام 1980، كما شغل منصب عضو إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن.
كتب أركون ولم يتوزع في الجهد، بل ظل منقباً في الفكر العربي والإسلامي في محاولة لإحياء عناصر الأنسنة فيهما، فكتب عن الفكر العربي «الفكر العربي» و»تاريخية الفكر العربي الإسلامي» و»نزعات الأنسنة في الفكر العربي» بينما كتب عن موضوع الدين والإسلام على الخصوص «الإسلام: أصالة ومعاصرة» و»الفكر الإسلامي: قراءة علمية»، و»من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي»، و»قضايا في نقد الفكر الديني»، و»الفكر الأصولي واستحالة التأصيل»، و»معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية»، و»القرآن: من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني،»، ثم مد هذا الاهتمام للعناية بعلاقة الإسلام والسياسة كما في كتبه «الإسلام وأوروبا والغرب»، و»الإسلام: الأخلاق والسياسة»، و»العلمنة والدين»، بالإضافة إلى مقالات ودراسات متنوعة نشرت في مواضيع وقنوات متعددة.
إسلاميات تطبيقية
عرف أركون بمساعيه نحو تأسيس ما يسميه «الإسلاميات التطبيقية» وذلك كبديل لما يعْرف سائداً ب»الإسلاميات الكلاسيكية». يقصد أركون بالإسلاميات الكلاسيكية الخطاب الغربي عن الإسلام، وهو خطاب غربي المنشأ يهدف إلى العقلانية في دراسة الإسلام . وهو يعيب على الإسلاميات الكلاسيكية أنها «تحصر اهتمامها بدراسة الإسلام من خلال كتابات الفقهاء المتطلبة من قبل المؤمنين، ومن أجل أن يتجنب (عالم الإسلاميات الكلاسيكي) كل حكم تعسفي، فإنه سيكتفي بأن ينقل إلى إحدى اللغات الأجنبية محتوى كبريات النصوص الإسلامية الكلاسيكية»، ويتسبب هذا الاهتمام -في نظر أركون- إلى إهمال نسبي لجوانب متنوعة وهي: (1) الممارسة أو التعبير الشفهي للإسلام خصوصاً عند الشعوب التي ليس لها كتابة مثل البربر والأفارقة، و(2) إهمال المعاش غير المكتوب وغير المقال حتى عند هؤلاء الذين يستطيعون أن يكتبوا بسبب السيطرة الأيديولوجية على المواطنين، و(3) إهمال المعاش غير المكتوب لكنه محكي، وهي مادة غنية للتحري السوسيولوجي، و(4) إهمال المؤلفات والكتابات المتعلقة بالإسلام بسبب أنها «غير نموذجية أو تمثيلية»، فالاهتمام منصب على إسلام الأغلبية، و(5) إهمال الأنظمة السيميائية غير اللغوية مثل الميثولوجيات والشعائر والموسيقى وفن العمارة. يرى أركون أن هذه الإلغاءات أو الإهمالات هي التي جعلت «الإسلاميات الكلاسيكية لم تؤد أبداً إلى أي إعادة توزيع من أي نوع كان للفكر الغربي.
محمد عابد الجابري: نقد العقل العربي
«مشروعي ببساطة يتلخص في تجديد العقل العربي من داخل تراثه بأدوات عقلانية مأخوذة من الثقافة الإنسانية، لكنها «مبيأة» أي تم غرسها واستزراعها في بيئتنا محور هذا التجديد من الداخل، تجديد الفكر التراثي عند الحداثيين لكي يتحدث، وتجديد الفكر الحداثي عند الحداثيين بالتراث، أي فهمه وهضمه. ينبغي تجنب الفهم التراثي للتراث، وكذلك الرؤية الماركسية لهذا التراث».
هذه مقترحات مفكرٍ عاش في طيات الفكر باحثاً عن طرائق الوصول إلى الحداثة، بطرح الأسئلة من جديد، بطريقة ابستمولوجية محضة، يتخللها أحياناً الطابع الأيديولوجي بالضرورة لكن واعية بمسارات هذه الأيديولوجيا وخاضعاً لها تحت مبضع النقد والتحليل «لقد سبق أن صرحنا بالطابع الأيديولوجي لقراءتنا». ونحن نؤكد مرة أخرى، أنه أفضل ألف مرة أن نحاول قراءة تراثنا قراءة تريد أن تكون واعية، من أن نستمر في قراءته قراءة أيديولوجية غير واعية، قراءة مزيفة مقلوبة».
محمد عابد الجابري (1936-2010) مفكر وفيلسوف مغربي، تعلم الكتابة وحفظ ثلث القرآن، قبل أن ينتقل إلى المدرسة الفرنسية ليقضي فيها عامين بالمستوى الأول. ترك المدرسة الفرنسية ليلتحق بمدرسة الفكيك حتى تخرج فيها حاصلاً على شهادة الابتدائية عام 1949.
نال دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967 عن رسالته «منهجية الكتابات التاريخية المغربية» ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 عن رسالته «العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي»، ليعمل بعدها أستاذاً للفلسفة والفكر العربي الإسلامي في الجامعة ذاتها.
لم ينفصل الجابري عن الممارسة السياسية بل انخرط في خلايا العمل الوطني ضد الاستعمار الفرنسي إذ اعتقل عدة مرات بين سنتي 1963-1965كما كان قيادياً بارزاً في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل أن يعتزل العمل السياسي عام 1981 ليتفرغ للعمل الأكاديمي.
كتب على عدة أصعدة، بين مداخل ومقدمات، ورؤى وتحليلات، فكان من أهم مشاريعه «نقد العقل العربي» الذي جاء في أربعة أجزاء وهي «تكوين العقل العربي»، و»بنية العقل العربي»، و»العقل السياسي العربي» وأخيرا «العقل الأخلاقي العربي»، وكان قبل هذا المشروع يطارح ركائز الفكر العربي كاتباً «نحن والتراث»، و»إشكاليات الفكر العربي المعاصر» و»التراث والحداثة» و»المثقفون في الحضارة العربية» و»قضايا في الفكر المعاصر» وكتب عن القرآن «مدخل إلى القرآن الكريم».
إشكالات
اهتم الجابري بإشكالات الفكر السياسي العربي فكتب عن «الدين والدولة وتطبيق الشريعة»، و»فكر بن خلدون: العصبية والدولة»، كما عني بكتابة بعض المداخل الدراسية والنظرات التربوية كما في «أضواء على مشكل التعليم بالمغرب» و»مدخل إلى فلسفة العلوم» (من جزءين) و»من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية». ولم يصرف ذلك كله عن أن يكتب في حياته وسيرته كاشفاً عن «حفريات في الذاكرة» و»في غمار السياسة: فكراً وممارسة» (من 3 أجزاء)، بالإضافة إلى عدة كتب ودراسات أخرى.
انتقاد
اهتم الجابري بدراسة التراث مفرقاً بين المحاولات السابقة والمحاولة الجديدة التي سيضطلع بها في نقد الفكر العربي، ويعيب على تجذر النقد الأيديولوجي في أسئلة التراث وينتقد ثلاث قراءات ومقاربات أيديولوجية في حقل دراسات التراث: القراءة (1) السلفية و(2) الليبرالية و(3) الماركسية. ففي نظره فإن «القراءة السلفية للتراث قراءة لا تاريخية فهي لا يمكن أن تنتج سوى نوعاً واحداً من الفهم للتراث هو: الفهم التراثي للتراث.. لأن التراث يكرر نفسه»، أما القراءة الليبرالية فتنتج «قراءة أوروباوية النزعة، أي ينظر إليها من منظومة مرجعية أوروبية، ولذلك فهو لا يرى فيه إلا ما يراه الأوروبي» أما الماركسية فتطالب «من الثورة أن تعيد بناء التراث، ومطلوب من التراث أن يساعد على إنجاز الثورة».
وهو يرفض جميع هذه القراءات، داخلاً في قضية التراث من أجل تحقيق شروط الحداثة لاسيما «أن من متطلبات الحداثة في نظرنا تجاوز هذا «الفهم التراثي للتراث» إلى فهم حداثي، إلى رؤية عصرية له. فالحداثة في نظرنا لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي بقدر ما تعني الارتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى ما نسميه ب «المعاصرة».. فطريق الحداثة عندنا يجب في نظرنا، أن ينطلق من الانتظام النقدي في الثقافة العربية نفسها وذلك بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل.. والهدف: تحرير تصورنا ل»التراث» من البطانة الأيديولوجية والوجدانية التي تضفي عليه، داخل وعينا طابع العام والمطلق وتنزع عنه طابع النسبية والتاريخية».
محمد جابر الأنصاري: الفكر العربي وصراع الأضداد
«ليست محاولة لركوب الموجة الدينية ووضع «عمامة» كما تصور البعض.. فمن يريد ركوب الموجة الدينية بعمامةٍ ولحية في زمننا، فأمامه من التدابير والحيل ما يتجاوز الطروحات الفكرية.. لكن لأن النظر في الإسلام احتكره مشايخ الدين ودعاة الإسلام السياسي وأبعد الإنسان المسلم عن التفكير في دينه، فهذه محاولة من شخصي المتواضع لتحدي هذا الحظر دون عمامة أو لحية.. هل حرام على المسلم -غير الملتحي أو المعمم- أن يفكر في الإسلام؟».
هذه تساؤلات مفكرٍ خليجي عاش متمرداً على أطره الدينية المتكلسة دونما فوضى، ومضى بدور المثقف الذي يراه كسائق شاحنة كبيرة يدخل الأزقة الضيقة ولا يحدث الضرر والأذى.
صرف أشطار حياته في كنف السوسيولوجيا حتى صار ابن خلدون عصره وقاوم التمثلات الاجتماعية فصاغ منها رؤية مستجدة لأوضاع العرب السياسية، وصاغ من إبحاراته في الفكر العربي ما عرف بالقاعدة الأنصارية في إحدى محاضراته بكلية الآداب بجامعة البحرين؛ حيث شخّص فيها إشكالات الفكر العربي بين (1) العقل والإيمان، (2) الدين والدولة، (3) النظرة إلى الغرب، و(4) القومية واللاقومية .
محمد جابر الأنصاري (1939) مفكر بحريني من أبرز المفكرين العرب في الخليج العربي.. ولد لأسرةٍ متواضعة لأبٍ يغوص البحر لجمع الدرر، قبل أن يكون عاملاً في شركة نفطية ما بين 1938-1959.
درس بجامعة بيروت الأميركية وقضى فيها 12 عاماً في الفترة 1963-1979 أجاد خلالها اللغتين الفرنسية والإنجليزية ونال منها شهاداته العليا من بكالوريوس في الآداب عام 1963 وماجيستير في الأدب الأندلسي عام 1966 ودكتوراه في الفلسفة الإسلامية الحديثة والمعاصرة عام 1979. سافر بعد ذلك إلى جامعة كامبريدج وجامعة السوربون الفرنسية ونال منها بعض الدبلومات عن دراسات تكميلية، كما شارك في المجلس التأسيسي لمعهد العالم العربي بباريس في الفترة 1981-1982.
طروحات
اهتم الأنصاري بتنويع طروحاته بين النقد الأدبي والفكري والسياسي، فكتب عن قضايا النهضة والفكر «الفكر العربي وصراع الأضداد» و»تجديد النهضة باكتشاف الذات» و»تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي» و»انتحار المثقفين العرب»، كما كتب عن السياسة والسوسيولوجيا والقومية «العالم والعرب»، و»تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية»، و»التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام»، و»العرب والسياسة: أين الخلل» و»مساءلة الهزيمة» و»الناصرية بمنظور نقدي».
ناقش الأنصاري النزعات السائدة في الفكر العربي، فكان من أوائل من كشف عن الطروحات الفكرية الساعية إلى التوفيق بين ثنائيات العقل والإيمان، والعلم والدين، والتراث والمعاصرة، والقومية والقطرية، والعدل والحرية، والرأسمالية والاشتراكية، والشرق والغرب، ودلل عليها بنصوص من أعلامها وروادها. فالمواجهة المصيرية الحادة والمتصاعدة بين التيار الأصولي والتيار التحديثي تسببت في بروز تيار جديد يوفق بين رؤى التيارين بما يعرف بالتيار التوفيقي الذي يرى -الأنصاري- بأنه لم يتجاوز «مستوى التلفيق والجمع المفتعل بين تناقضات لا يمكن التوفيق بينها».
بلقزيز يطالب بالتحرر من سجن اللغة والجابري ينقد العقل العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.