من الغرائب المريبة التي يتم تداولها هذه الأيام في منافذ الإعلام المفتوح رسائل همجية، ومقولات سادية، معجونة بسوء النية، وخبث المقصد، لزوم إشاعة الفوضى الهدامة للتأثير على اللُّحمة الوطنية، ومحاولة تفكيك بنيانها على هامش الأحداث العالمية والإقليمية باختلاف تصنيفاتها كوسيلة لغاية مدفونة في كل المحاولات؛ لتحقيق التمنيات المسمومة المتدرجة، وإخضاعها للتطبيق، وفي ذلك من الخطورة ما يدركه العقلاء وأهل الفطنة من أبناء هذا الوطن الآمن الحريصين على نموه وازدهاره ووحدة مصير أهله. رواد مواقع التواصل من هذا النوع الأحمق يريدون الخروج على المنطق، ويسرهم تعطيل العقل ويسعون -خاب مسعاهم- إلى تشويه القرار السياسي الذي جعل بين الوطن وبين المخاطر المحتملة أكثر من حجاب وساتر. وهذا إلى حد ما مألوف.. والقول يعود إلى مسعاهم، وقد تعودت الجماهير الواعية عليه، غير أن التفكير المتأني لغاياتهم ودسائسهم لا يأخذ مكانه الطبيعي في كل الأحوال، ولا يوجد ردع بالتالي، وهذا مثبت باستمرارهم، ووجود الاتباع السذج وقطيع المؤيدين بالصمت خبثا. لربما تكون هذه الأصوات الشاذة الداعية بالتعبئة للفرقة في الوقت الحالي هي ذاتها التي صمتت، وصمّت الآذان إبان الأعمال الإرهابية التي غدرت بالوطن، وطعنت خاصرته، وسيلت دماء أهله وغيرهم، وهذا غير مستبعد، ومؤشر الغاية يتجه إلى محور استغلال الظروف والأحداث لخلق الصراع ورعايته على أساس الاختلاف المذهبي، دون حشمة للدين القويم وتعاليمه السمحة المثقلة بالرحمة، ودون أدنى اعتبار للإنسانية ودعوتها الصريحة لتمتين روابط الصلات والأخوة، وأيضا بلا احترام للدولة التي تعمل جاهدة على تطبيق الشريعة الإسلامية لخدمة البشرية وفق مبادئ العدالة، وفي سياق ذلك يمكن تسمية الأتباع الصامتين بفئة (لم نأمر بها، ولم تسؤنا) وهذه الفئة أشد حمقا، وأكثر همجية، وفيها من الخطر ما يوازي الجبال، وقد اختارت لنفسها هذا الموقع المغشوش الذي تحتم الضرورة فحص كل التساؤلات المتعلقة به، وهي تساؤلات كبرى لا شك. في إحدى الرسائل المتداولة حاليا، دعوة صريحة لتدشين الخصومة الفورية والمواجهة العاجلة لبعض أبناء الوطن في مناطق محددة جغرافيا على أساس مذهبي، وفيها أيضا -أي الرسائل- جراءة غير مسبوقة للخروج على ولي الأمر.. وهذا الأمر لا يحتاج إلى أي تفسير أو تبرير. القائمون على هذه الدعوات المشينة يرغبون لا شك في الزج بالوطن وأهلة في أتون المعضلات للتفرغ للعبث وإدارة الأمور وفق أهوائهم، صحيح أن النجاح لن يكون حليفهم، ولكنه من الضرورة «بمكان» أن يلتفت الجميع إليهم بما يلزم من الحذر والحيطة تمهيدا لكشف أوراقهم الصفراء، ومحاصرتهم في كهوف فكرهم المنغلق المظلم الظالم. من الطبيعي أن تكون هذه الرسائل التحريضية بما فيها من قبيح قول، وسوء هدف، قد وقعت في أيدي بعض أبناء وبنات المناطق المقصودة، وهنا لا بد للعقل أن يعمل بحكمة وروية، بعيدا عن التشنجات، وما يلازمها من ردود فعل مندفعة ولو لغرض تفويت الفرصة على أعداء الوطن المتربصين بالفرص؛ لتشويه واقع المملكة المشرّف، وإحراج المركز السيادي لأن أصحاب هذه الدعوات وحتى من يقفون خلفهم لا يمثلون أبناء الوطن ككل، ولا يعكسون تطلعاتهم ولا غاياتهم، في هذا الوطن من الأخيار -بصرف النظر عن أي اختلاف- كثير، ومن أهل العلم النافع كثير، وفيه من أهل الخير الطامعين إلى الألفة والتقارب كثير، وهذا من بواعث الأمل وحسن الطالع أيضا، وكل عاقل يبرد ردة فعله، ويضبط تصرفاته، في مثل هذه المواقف الاستفزازية لا ريب يقدم خدمة جليلة للبلاد والعباد، ويقزم في الوقت نفسه كل فكر منحرف عن النهج الصحيح، ويضعه تحت الضوء. نعم، الشحن المذهبي في أعلى مستوياته في مسرح الأحداث الإقليمية بالذات، وهناك أفعال موجعة تستدعي بحكم طبيعتها ردود أفعال يمكن قبول عدم انضباطها تحت وقع العاطفة في حدود، ولكنه من المشين أن يتم استدعاء الحراك الخارجي إلى الداخل والاصطفاف حول أحداثه خارج حدود المسؤولية والمنطق وتكييف المسائل لتعطيل دور الدولة، وتشويه مجهوداتها، وتفريق الشعب، وإضعاف وحدته التي لم تأت بالصدفة. وهنا وأمام هذه الدعوات الهدامة لابد لكل محب للوطن من أي مذهب كان، أن يسجل موقفه ويدعو للتقارب والتلاحم والعمل الجاد لتذويب الفروق ومسح الضغائن المصدرة من أهل النيات السيئة أصحاب معمل ترميم مفاصل التاريخ وفق الرغبات والشهوات. الجميع في سفينة واحدة، أفلا تعقلون؟