هناك عديد من المواقف الطريفة التي يقع فيها الإنسان مجبراً، ولا بأس من سرد هذا الموقف الذي حكاه لي أحد الزملاء عن قريبه الكبير في السن والمصاب بضعف النظر؛ والذي يئس من إنجاز معاملة له في إحدى الإدارات الحكومية بعد كثرة مشاوير ومراجعات دون فائدة، ففي ذلك اليوم حضر مبكراً وتوجه لسكرتير المدير الذي أمره بالانتظار في قاعة الجلوس لأن المدير مشغول، فجلس المسكين منتظراً دون فائدة وهو قلِق من عدم إنجاز معاملته أسوة بجميع المراجعات التي انقضت، وراودته الشكوك بأن السكرتير هو سبب التأخير، وبعد وقت ردّ السكرتير الباب وخرج وهو يؤكد على المراجعين بضرورة الانتظار حتى فراغ سعادة المدير من «شغله» المهم ليستقبلهم بعد ذلك «هاشّاً باشّاً»، حرّك المراجع رأسه علامة على الموافقة، وما كاد السكرتير يتوارى عن الأنظار حتى اقتحم المراجع مكتب المدير ولكنه لم يجده وإنما رأى «مشلحه» معلقاً وغترته وعقاله على الطاولة! تلفّت يميناً وشمالاً فسمع «نحنحة» خلف باب غرفة ملاصقة للمكتب، فخمّن أنه ربما يكون فيها، رغبة إنهاء هذا المسلسل الطويل من التأخير جعلت المراجع يندفع لفتح ذلك الباب لمقابلة المدير وشرح معاناته له شخصياً، فتوجه لفتح الباب وإذ به في وجه المدير مباشرة الذي كان جالساً بهدوء على مقعد رخامي! لم ينتظر المراجع وقوف المدير بل مدّ له يده مصافحاً وابتدأ في شرح معاناته جرّاء تأخر معاملته كل هذا الوقت! المفاجأة عقدت لسان المدير الذي اكتفى بتحريك يديه بعصبية ليعود المراجع أدراجه حالاً في ظل استغرابٍ كبير من المراجع! هنا انفجر «المدير» -نتيجة عدم فهم الرجل الكبير في السن إشارته- وصاح من على «الكرسي الإفرنجي»: «تراك تكلمني وأنا وأنت في الحمّاااااااااااااااام» يا والد!