يبدو أنّ الجولة هذه الأيام لقنوات الشعر الفضائية ومسابقاتها الشعرية، التي أدرك أصحابها مؤخراً ربحية المتاجرة بالشعر؛ خصوصاً وأن الجو العام يكشف عن (أزمة وعي) لدى الجمهور بعد أن نجح إعلام الشعر التجاري في توجيه وصناعة ذائقته لتتناسب مع أهداف وطموحات المستثمرين الجدد، في عمليةٍ منظمة (لغسيل الذائقة) تمت على مراحل متعددة لصناعة القارئ والمشاهد المستهدف ليكون مستهلكاً جيداً؛ يحقق طموحات ورغبات أصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن الربح والثراء والشهرة..! والحق يُقال إن هناك أرضاً خصبة لزراعة ثقافة (الاستهلاك السلبي) للشعر لدى أغلب المتلقين؛ نظراً لوجود ترسباتٍ رجعية لم تزلها الحضارة والتمدن والتعليم؛ كالعصبية القبلية المقيتة، والجمود الفكري التقليدي؛ مما جعل مهمة (تجار المسابقات الشعرية) أسهل وأبسط مما كانوا يتصورون؛ ولذلك فقد تمت صناعة برامج خاصة تليق (بالمشاهد/المستهلك) القابل للاستغلال، مراهنةً على جيبه قبل عقله، ومتلبسةً بلبوس خدمة الشعر والرقي به، وهي في حقيقة الأمر تستعبده وتحيله إلى سلعةٍ رخيصة؛ تجلب المال للمتاجرين، وتستغل الشعر والمتابعين..! برنامج (شاعر المعنى) يُسوّق له القائمون عليه تحت شعار (خدمة شعر المحاورة) أو ما يسمى (بالقلطة)، واكتشاف المواهب في هذا الفن الجميل، وتسليط الضوء عليها ودعمها للرقي بالشعر والشعراء، إلا أنّ الوقائع والشواهد حسب مجريات البرنامج وما حدث خلال مواسمه السابقة ويحدث في الموسم الحالي، لم تكشف إلا عن محاولاتٍ مستمرة لعرض محاوراتٍ شكلية، لاتحظى إلا ببعض التعليقات والآراء الانطباعية من قبل لجنة التحكيم المكونة من شعراء كبار لهم باعٌ طويل وخبرةٌ عريضة في مجال المحاورة، لكنهم لم يقدموا على (الصعيد النقدي) ما يتوازى مع خبرتهم وشاعريتهم، ومهما يكن فإنّ المعيار الأهم لتأهل الشعراء لمراحل متقدمة، واستمراريتهم في البرنامج يعتمد بشكلٍ كبير على عملية (التصويت)؛ ليتحول المعنى من (بطن) الشاعر إلى (جيوب المصوتين)..!