لا شك أنّ برامج المسابقات الشعرية قد شكّلت ما يمكن وصفه بالثورة في عالم الشعر والشعراء، حيث غيّرت المفاهيم، وحدّثت الآليات والأساليب، التي كانت سائدة في الساحة الإعلامية الشعرية، التي كانت تتصف بالنمطية والركود، وأحدثت نقلةً نوعية غير مسبوقة، في مجال نشر الشعر ومتابعته، مما أضاف له زخماً وجماهيريةً عريضة، بفضل الاحترافية العالية، والإمكانات المادية والإعلامية الهائلة لتلك البرامج. ومع أنها قد ساهمت في كسر الاحتكار الذي كان سائداً قبل ظهورها، مما ساعد في اكتشاف كثير من المواهب الشعرية الرائعة، ومنح بعض المشاركين فيها مزيداً من الضوء والشهرة والانتشار، فإنّ طبيعتها التجارية غلبت على رسالتها الثقافية، مما حولها في كثيرٍ من الأحيان إلى نسخةٍ (معدلة) من برامج المسابقات الأخرى، التي تسعى للربح المادي، وجمع الأموال تحت مسمياتٍ وأهدافٍ مزعومة، وتحت شعاراتٍ متنوعة، ليكون القاسم المشترك فيما بينها (التصويت)، الذي يستهدف جيوب المتابعين وأموالهم، مما جعل تلك البرامج إحدى وسائل (تسليع الشعر) في أسوأ صوره، حتى أن مسميات بعض البرامج جاءت دالةً على ذلك التسليع وإن أُريد بها الدعاية والإعلان! وباعتقادي أن الرابح الوحيد -خارج نطاق المنظمين والرعاة والمستفيدين- هو الشاعر المشارك على الصعيد (الشخصي والإعلامي) فقط، وليس على الصعيد (الشعري)، حيث إنّ مثل تلك البرامج لا تصنع شاعراً فذاً وعظيماً، لأنّ آليتها التنظيمية تقوم بالأساس على تأطير الشعر وقولبته، مما ينتج شاعراً (مدجناً) ومصنوعاً بمواصفاتٍ خاصة، حسب ما تقتضيه شروط البرنامج، ومنهجه التسويقي والمادي في المقام الأول والأخير. أما الخاسرون وهم كُثر، فأولهم الشعر الذي سُلبت حريته، وشوهت صورته، ليتحول إلى رسالة تصويت، وثاني الخاسرين الذائقة الشعرية التي شُكلت على حسب ما يطلبه المنظمون، والخاسر الأكبر هو المجتمع الذي كرست فيه تلك البرامج عنصريته وجاهليته، ليسهل استغلاله، وأكل أموال أفراده بالباطل باسم الشعر ومسابقاته!