كثيرة تلك القنوات الفضائية التي ظهرت فجأة على الساحة الإعلامية ناقلة عبر شاشاتها المنافسات الشعرية الشعبية، وعندما يتأمل الإنسان المدرك هذه الظاهرة فإن الحسرة والندامة هي محصلة تأمله..!! كيف لا وموروثنا الشعري أصبح سلعة رخيصة المعدن، غالية الثمن، أي أن ذلك الشعر يقدم بصورة ضحلة بهدف الكسب المادي عن طريق التصويت برسائل ال(sms) والتعليقات الهابطة، وكذلك الشهرة الإعلامية للمنظمين واكتيال المديح والثناء من الشعراء المشاركين. أما ماذا تتناول هذه المسابقات فهو ما يدعو إلى الطرح والتأمل، إن الخطير في الأمر ما يركز عليه الشعر في موضوعاته وأفكاره الرجعية التي تقوم على إحياء النعرات القبلية التي محت معالمها وحدتنا الوطنية، فتلك القبلية بلا شك تهدم وتمزق وحدتنا الوطنية التي تعد هي المعيار والطريق الوحيد لتقدمنا ونهضتنا التنموية الشاملة. وعلى صعيد آخر في الطرح الشعري نجد التركيز على المدح المبالغ فيه وقتل بقية الأغراض الشعرية الأخرى، أما اللغة الشعرية والمفردة فواأسفاه من الهدر المفرغ من المعاني وعدم الاتساق مع الوحدة الموضوعية وذلك يخرج لنا نص شعري ماديا وجاهيا بحتا.إن الشعر كوسيلة مشاعرية جماهيرية ولغة أممية وجب أن يستغل في الارتقاء بالمجتمع وأن يخاطب الفكر بصورة حضارية إنسانية بعيدة عن هذيل المفردة وتفريغ المعنى، وما ذلك إلا محاولة في الوصول بالذائقة الأدبية إلى فهم الحياة الإنسانية التي ينبغي أن تقدم وتعايش بصورة راقية ومتألقة، وأن تكون تلك المسابقات مقدمة بضوابط معينة وتحت مظلة ومراقبة الجهات الأدبية والثقافية التي من المؤمل فيها أن ترتقي بأدبنا وموروثنا الشعري حتى تتم النقلة الحضارية الكبرى التي ينشدها الجميع.