يكادُ يكون مُجتمعنا من أكبر، وأكثر شعوب الأرض تعرضاً للحوادث، ونكاد نحتل المراتب المُتقدمة في نسبة الوفيات من الحوادث، ونكاد نكون الأوائل في نسبة الأمراض المُزمنة من الحوادث، فالغالبية من قائدي المركبات لا يلتزمون بحزام الأمان على سبيل المثال، مع العلم أن 98 % من الحوادث المرورية من مصابي الحبل الشوكي لم يربطوا حزام الأمان..! بالأمس القريب أقر مجلس الوزراء مجموعة من الغرامات على مخالفي السرعة والمُفحطين وقاطعي الإشارة، وقبلها كانت غرامات على مُرتكبي المُخالفات المرورية ومُتجاوزي السُرعة وقبلها كانت أنظمة «ساهر» للحد من السرعة والتخفيف من الحوادث وتقليل نسبة الموت في مُجتمعنا وقبلها و قبلها.. فهل أدت هذه الغرامات إلى التقليل من الحوادث وهل قلّصت الغرامات نسبة المُفحطين والمُستهترين من قائدي المركبات، وهل اختفت ظواهر سلوكية كانت من قبل موجودة في مُجتمعنا فكانت هذه العقوبات رادعاً لهم، هل أدى ساهر الدور الريادي وأثر إيجابياً على مُجتمعنا، فلم نعُد نرى السرعة الجنونية في طُرقاتنا، ولم نعد نرى الاستهتار من غالبية شبابنا وانقطعت أو تقلّصت الحوادث الشنيعة والمُرعبة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من شبابنا، هل اختفت أحزان الأُمهات والآباء من جراء فقدانهم لفلذات أكبادهم من جراء الاستهتار والسرعة والحوادث، هل آتت أُكلها وقطفنا ثمارها أم أننا نخيط في الهواء وننفخ في قربة مخرومة، ونُعاود الأزمنة ونُراوح الأمكنة ونُعيد أنفُسنا إلى المربع الأول وإلى الدائرة الأُولى ولا حياة لمن تُنادي، فمُجتمعنا هو مُجتمعنا، ومُصيبتنا هي مُصيبتنا، وحوادثنا لم تقل واستهتار شبابنا وطيشهم لم يخف، ولم يقلّ، وموتانا في ازدياد وتمتلئ مستشفياتنا بالعديد من المُصابين من جراء الحوادث اليومية وتمتلئ شوارعنا بالمُستهترين والمفحطين وقاطعي إشارات المرور ومُنتهكي الأنظمة والقوانين..؟ هل آتت أُكلها وثمارها، وهل ستؤدي هذه العُقوبات والغرامات الجديدة أُكلها وثمارها أم أنها ستكون مُجرّد حبر على ورق ومُجرّد أموال تُحصّل وغرامات تُدفع، وتتجدد منها الجيوب ولا تجديد في العقول..؟ ما الذي ينقصنا وما هو الخلل في مُجتمعنا، ماذا نُريد لنكون الأفضل والأحسن وهذه الجُمل التي أهلكت مُجتمعنا عقودا من الزمن وأُختها «نحن لنا خصوصيتنا» ومع الأسف جُمل تُعيدنا إلى الجهل والبُعد عن التعايش مع الآخر وعدم القناعة بأننا مُجتمع مثلنا مثل غيرنا، بل رُبما أننا الأسوأ من نواح عديدة لنتمكن من الاستفادة من أخطاء الماضي ونُعيد ترتيب أنفُسنا ومُعالجة أخطائنا والسير قُدماً في عملية التقدم والتطور والازدهار..؟ ما الخلل في كوننا لا نستفيد من جراء التغييرات التي تنتهجها الحكومة، ومن العقوبات التي يتم سنّها ومن القرارات التي يتم اتخاذها، ما هو الخلل في كوننا نتراجع للخلف خطوات ولا نتقدم قيد أنملة، رغم العديد من الأطروحات، والندوات، والمُحاضرات ورغم العديد من البرامج المقدمة، وورش العمل، ورغم العديد من القرارات الهادفة الرامية إلى التحسين والحد من الظواهر السلبية.. حقيقة أقف مُتأملاً مُجتمعنا مُحدقاً في شبابنا وتصرفاتهم ومُتسائلاً.. متى نكون مُجتمعاً راقيا، متى نكون مُجتمعاً يعرف معنى الحقيقة المُطلقة ومعرفة القانون واحترام الأنظمة، والسير قُدماً نحو الأفضلية، وليس مُجرّد نظريات..؟ متى نكون مُجتمعاً يحترم الآخر ويبحث عن الرُقي، ومُجتمعاً يخاف على وطنه وأبناء جيله ويُحافظ على المال العام، وأنظمة المرور، مُلتزماً بها وبقوانينها كما يلتزم بها حين يكون خارج الوطن «وهنا السؤال الأكبر» والخلل الكبير والحزن العميق، لماذا الغالبية مُلتزمون خارج الوطن مُستهترون داخله..؟ الغالبية سيقول لي أنه النظام والقانون وتطبيق روح القانون على الجميع، واتفق معه ونحن الآن بحاجة ماسة إلى أنظمة رقابية صارمة لا يتدخل فيها البشر، وتُلغى الطائفية والقبلية، وتحرّم الوساطة، أنظمة لا تقبلُ اليد، بل تتعامل مع البشر سواسية، فالجميع تحت النظام، من يرتكب المُخالفة تكون له بالمرصاد، وتُسجل عليه فوراً لا وجاهة، ولا إلغاء، رُبما نكون ساعتها قد بدأنا في الطريق السليم، والمشوار الصحيح في إعادة مسار الحياة إلى طبيعتها، وإلى احترام الأنظمة والقوانين، وساعتها رُبما نحد من ظواهر سلبية عديدة ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة الاستراتيجية في عمليتنا التوعوية وعمليتنا التعليمية، سواء في مدارسنا العامة أو الخاصة وحتى في بيوتنا وإعلامنا لنبدأ التصحيح.