يعيش خلف القناع الإلكتروني، فيكتب باسم مستعار، ليبدع في كلماته، أو ينحط في سبابه، يركب سيارته المظللة، فيتجاوز كل الأنظمة، وأبسط معايير اللياقة والآداب العامة، ولو حدث أن واجهته لقبَّل رأسك وأصر عليك أن تكون ضيفه. يتسلل ليلاً ليكتب على الجدران كل أنواع السباب، بينما يكتب على واجهة عرض حسابه: فلا تكتب بكفك غير شيء.. يسرك يوم القيامة، وتراه يعيش مع أصدقائه بتلقائية، وعندما يأتي إلى أسرته، أو مجتمعه القبلي يكون في غاية الالتزام لباساً وكلاماً، يسافر خارج البلد متحرراً من كل قيد، ويعود إلى قبيلته متشحاً لباسها، ومتقمصاً دور ابن القبيلة الوفي لعاداتها وتقاليدها. لقد أصبحنا محترفين في ارتداء الأقنعة، والتفنن فيها حتى أضحى الأمر وباءً لا مجرد ظاهرة، ليهيأ إليك بأنك تتعامل مع أشباح، وهنا يطل سؤال برأسه ليقول: لماذا أصبح هذا السلوك وباءً في مجتمعنا؟ لعل ذلك بسبب وجود كثير من المعايير والعادات التي نعتبرها مسلَّمات بمجرد أننا ورثناها عن آبائنا، ولا يسمح بتجاوز أبسطها من قِبل مجتمع يبالغ، ويقسو كثيراً في النقد، ليس حمايةً وإيماناً بتلك الأعراف، ولكن إظهاراً للذات أمام الآخرين بأن أي تجاوز لا يمثله، وأنه براء منه، ولو كان هو مَن أكثر المتجاوزين له، ما يؤدي إلى نشوء صراع بين الشخص وذاته، وبينه وبين مجتمعه ليصل الأمر إلى ضعف ثقته في نفسه وتصرفاته، وتنشأ لديه حالة الرهاب الاجتماعي ما يضطره إلى ملء جيوبه بالأقنعة، فيتحول إلى ممثل يقوم بكل أدوار المسرحية على خشبة المجتمع وفق ما يناسب ذوق مَن يراقبه من الجمهور، لا وفق ما يتناسب معه، ويؤمن به تخفيفاً للضغط النفسي، وتعايشاً مع المجتمع دون صِدام، وفي ذات الوقت يمارس ما يراه تلقائياً ومتوافقاً مع طبيعته، ولو من وراء قناع، وقد يصبح هذا السلوك بصمة تلازمه ليتوفى وهو على هذه الحال لا يعرف نفسه عوضاً عن معرفة الآخرين له. كم أتمنى أن يشمل مشروع التحول الوطني تحولاً اجتماعياً، نتقبَّل من خلاله أنفسنا، ونتقبَّل الآخرين كيفما كانوا. وقفة: أن يسقط قناعك أمامي فهذا أمر محرج، ولكن أن تعيد ارتداءه أمامي فهذا يجعلك مثيراً للشفقة.