أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات الممثِّلة للمعارضة السورية قبولها المشاركة في جولة جديدة من محادثات السلام تبدأ بعد غدٍ الإثنين، في وقتٍ شنَّ طيران النظام غارةً على مدينة حلب أوقعت 5 مدنيين قتلى. ومع موافقتها على المشاركة في جولة التفاوض المرتقبة في جنيف برعاية أممية؛ قلَّلت «العليا للمفاوضات» من فرص التوصل إلى اتفاق مع حكومة بشار الأسد. وتتزامن الجولة مع حلول الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة، وتأتي بعد أسبوعين من سريان اتفاق هدنة حدَّ من العنف ولم يوقِف القتال. وربطت «العليا للمفاوضات»، في بيانٍ لها، بين ذهابها مُجدَّداً إلى سويسرا و»التزامها بالتجاوب مع الجهود الدولية المخلصة لوقف نزيف الدم وإيجاد حل سياسي للوضع». وتعهدت بأن يركِّز وفدها جهوده على «إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية والتمسك بوحدة أراضي البلاد». وذكر المنسق العام للهيئة، رياض حجاب، أن المعارضة ليست بصدد اختبار نيات النظام وحلفائه «فنحن على علم بما يرتكبونه من جرائم وما يُعدّون له من تصعيد جوي وبري في الفترة المقبلة». وتدارك «لكننا معنيون في الوقت نفسه بتمثيل القضية العادلة لشعبنا في الأروقة الدولية واستثمار كافة الفرص المتاحة للتخفيف من معاناته»، متوقِّعاً محاولة الحكومة إحباط العملية السياسية. بدوره؛ شرح المبعوث الأممي الخاص بالأزمة، ستافان دي ميستورا، أن خطته للتفاوض تتضمن إجراء انتخابات سورية تشريعية ورئاسية في غضون 18 شهراً تحت إشراف منظمته. وأوضح المبعوث، خلال لقاءٍ أمس مع وكالة الأنباء الروسية «ريا نوفوستي»، أن جولة التفاوض الجديدة التي ستجري بين 14 و24 مارس الجاري ستتناول 3 مسائل «هي تشكيل حكومة جديدة جامعة وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات في الأشهر ال 18 المقبلة اعتباراً من موعد بدء الجولة». وتطلَّع دي ميستورا إلى «التوصل في المرحلة الأولى من المحادثات إلى تحقيق تقدم على الأقل في مسألة الحكومة الجديدة». وبحلول ال 24 من الشهر الجاري؛ سيتوقف التفاوض لمدة أسبوع أو 10 أيام على أن يُستأنَف بعدها. ووفقاً للمبعوث؛ ستجري الجلسات مع ممثلي النظام والمعارضة في قاعات منفصلة. ونُظِّمَت جولة سابقة من المحادثات في جنيف في فبراير الماضي، لكنها لم تجرِ عمليّاً بعد رفض المعارضة الدخول في صلب المسائل السياسية قبل وقف القصف على المدنيين وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصَرة. ومنذ ال 27 من فبراير الماضي؛ تسري هدنة دعت إليها الولاياتالمتحدةوروسيا، فيما دعا النظام إلى انتخابات تشريعية في ال 13 من إبريل المقبل. وقبل موعد الإثنين؛ طالبت موسكو المبعوث الأممي بإشراك الأكراد في التفاوض، الأمر الذي تعارضه أنقرة بشدَّة كونها تصنِّف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري باعتباره منظمة إرهابية. واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن بدء المحادثات دون هذه المجموعة سيكون مؤشر ضعف من جانب الأسرة الدولية وانتهاكاً لحقوق مجموعة كبيرة ومهمة من السكان. ورأى، خلال مؤتمر صحفي أمس في موسكو بحضور نظيره الصيني وانغ يي، أن استبعاد الأكراد «سيغذي طموحات الذين لا يريدون البقاء ضمن سوريا بل يريدون تقسيمها». وقال «على ستافان دي ميستورا أن يتخذ القرار الصائب، نحن على اتصال معه مراراً ونعبر عن موقفنا بحزم، وقمنا بذلك مجدداً الخميس». وعند سؤال المبعوث؛ علَّق بأنه «لا يعتزم توجيه دعوات جديدة» إلى مشاركين غير الذين حضروا الجولة الأخيرة من المفاوضات. ووُجِّهَت الدعوات في جولة فبراير إلى «العليا للمفاوضات» والحكومة في دمشق، فيما استبعِد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يسيطر جناحه العسكري المسمَّى «وحدات حماية الشعب» على أكثر من 10 % من أراضي سوريا وثلاثة أرباع حدودها مع تركيا. وتتلقى هذه الوحدات دعماً من التحالف الدولي ضد الإرهاب. وتَعدُّ واشنطن، قائدة التحالف، الأكرادَ الفصيل الأكثر فاعلية في قتال تنظيم «داعش» الإرهابي بعدما نجحوا في طرده من مناطق عدَّة كان آخرها في محافظة الحسكة «شمال شرق». والشهر الماضي؛ بدأت تركيا قصفاً مدفعيّاً عنيفاً ضد «وحدات حماية الشعب»، إذ ترفض بشدَّة إقامة منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها. وفي إفادةٍ صحفيةٍ لها؛ وصفت الرئاسة الروسية «الكرملين» الحفاظ على وحدة أراضي سوريا بمسألة أساسية بالنسبة لها، متوقِّعةً مشاركة كافة الأطراف المعنيَّة في محادثات السلام التي تهدف إلى إنهاء الصراع. وعدَّ المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الحفاظ على وحدة سوريا حجر زاوية على الأرجح لكثير من الدول و»أولوية بالنسبة لنا». وذكرت وزارة الخارجية في موسكو أن الحكومة في دمشق أبلغت عن اعتزامها المشاركة في استئناف المحادثات. ونقلت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، عن نظام الأسد نيته إيفاد مبعوثين إلى جنيف، قائلةً «إنهم لا يرفضون، قالوا بشكل مباشر إنهم سيشاركون، هم مستعدون». ميدانيّاً؛ قُتِلَ 5 مدنيين على الأقل أمس في غارةِ شنَّها الطيران الحربي التابع للنظام على أحد أحياء مدينة حلب «شمال»، وفق ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتحدث مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، عن «مقتل 5 مدنيين على الأقل وإصابة 10 آخرين بجروح جرَّاء غارات جوية لقوات النظام استهدفت حي الصالحين» الذي تسيطر عليه الفصائل المقاتلة. ووصف عبدالرحمن حصيلة ضحايا القتلى في الغارة ب «الأعلى في المدينة» منذ سريان الهدنة في 27 فبراير. وأبلغ مراسل صحفي في المدينة عن استهداف الطيران الحربي مسجداً في «الصالحين». ووفقاً لعبدالرحمن، فإن «هذه الغارات تعد الخرق الأبرز لوقف إطلاق النار من قِبَل قوات الأسد في حلب» التي تنقسم السيطرة على أحيائها بين النظام والمعارضة المسلحة. يأتي ذلك غداة قصفٍ مماثل طال الخميس حي الميسر القريب وتسبَّب في مقتل طفل. ومنذ تطبيق اتفاق وقف الأعمال القتالية المدعوم أمميّاً؛ تشهد المدينة ومناطق أخرى هدوءاً غير مسبوق. على جبهة أخرى؛ نشرت وكالة الأنباء «رويترز» معلومات عن سعي جيش الأسد مدعوماً بغارات جوية روسية إلى انتزاع مدينة تدمر التاريخية من «داعش» ليفتح لنفسه طريقاً صوب محافظة دير الزور الشرقية في هجومٍ بدأ بالفعل الأسبوع الفائت. وتحدَّث مرصد حقوق الإنسان عن شنِّ سلاح الجو الروسي عشرات الغارات على تدمر التابعة لمحافظة حمص «وسط» منذ الأربعاء الماضي. واحتل التنظيم الإرهابي المدينة التي تضم مواقع أثرية في مايو الماضي. ولفتت «رويترز» إلى تمركز قوات النظام على بعد نحو 7 كيلومترات من المدينة. ونسف المتطرفون معابد ومقابر أثرية منذ سيطرتهم على تدمر، وهو ما وصفته منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» ب «جريمة حرب». كما يحتل «داعش» معظم أنحاء دير الزور. ونسب مرصد حقوق الإنسان إلى مسلحين من التنظيم إعدام شاعرٍ ونجله في المحافظة بتهمة الردة. ونقل المرصد عن «مصادر موثوقة» أن «التنظيم أبلغ ذوي المهندس والشاعر محمد بشير أحمد العاني بإعدامه مع ابنه إياس بتهمة الردة». ووفقاً للمصادر؛ اعتقل مسلحون متطرفون العاني ونجله منذ نحو شهرين في بلدة التبني عقب خروجهما من مناطق خاضعة لسيطرة قوات النظام في مدينة دير الزور «مركز المحافظة». والعاني من مواليد 1960 وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية، وكان عضواً في اتحاد الكتاب العرب، وله عدة دواوين شعرية منها «رماد السيرة» و»وردة الفضيحة» و»حوذي الجهات». إلى ذلك؛ دعا كبير مدَّعي محكمة جرائم حرب يوغسلافيا، سيرج براميرتز، إلى محاكمة مرتكبي الفظائع في سوريا مع دخول النزاع فيها عامه السادس. وأبلغ براميرتز وكالة «فرانس برس» أمس بقوله «بوصفي مدعياً دوليّاً وشخصاً يؤمن بالعدالة، فإنني أرى أنه من الواضح ضرورة محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم في سوريا آجلاً أم عاجلاً». ولاحظ، خلال مقابلةٍ في مقره بلاهاي الهولندية، أن هذا النزاع شهِدَ وقوع عددٍ كبيرٍ من الضحايا وأن مدته تجاوزت حرب يوغوسلافيا «التي أقيمت لها محكمة خاصة لا تزال قائمة منذ 20 عاماً». واندلعت احتجاجات سلمية ضد نظام الأسد في ال 15 من مارس 2011، لكن السلطات قمعتها بقسوة ما أدى إلى وقوع أعمال عنف تطورت لاحقاً وخلَّفت نحو 270 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين مشرَّد؛ مقارنةً ب 140 ألف قتيل وأكثر من 4 ملايين مشرد في حرب يوغوسلافيا مطلع التسعينيات. وأقرَّ براميرتز بأن جمع أدلة لاستخدامها في أي محاكمة سيكون «أمراً صعباً جدّاً» نظراً لعدم إمكانية دخول المواقع في الأراضي السورية. والشهر الماضي؛ دان تقرير للأمم المتحدة جرائم الحرب المنتشرة في سوريا، وشدَّد على ضرورة محاسبة مرتكبيها في إطار عملية السلام. ولم يتحدث براميرتز عن تفاصيل أي محكمة يتم تأسيسها لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في هذا البلد، لكنه نبَّه إلى وجوب ارتكازها على نهج متكامل يشمل الطرفين الوطني والدولي. ولفت أيضاً إلى ضرورة إيجاد «حل دولي»، وقال «لا أعتقد أن أي بلد يكون قادراً بعد مروره بمثل هذا النزاع العنيف على إيجاد حل من خلال هياكله القانونية فقط». في سياقٍ متصل؛ وصفت منظمات دولية تُعنَى بالإغاثة وحقوق الإنسان عام 2015 بأنه «الأسوأ على الإطلاق» بالنسبة إلى السوريين، وفق ما أوردت في تقريرٍ مشترك أصدرته أمس. وأفادت 30 منظمة غير حكومية دولية، بينها «أوكسفام» والمجلس النرويجي للاجئين والجمعية الطبية السورية الأمريكية، بأن «العام المنصرم كان الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى السوريين مع استمرار نشر الدمار ومنع وصول المساعدات وفرض الحصار على عدد أكبر من المدنيين». واعتبرت المنظمات، في النسخة العربية من تقريرها المشترك، أنه «يتوجب على روسياوالولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا المحافظة على بصيص الأمل الذي لاح للمدنيين مع الهدنة عوضاً عن تأجيج الصراع». و»على رغم تماسك وقف إطلاق النار الهش الذي دخل حيِّز التنفيذ في نهاية فبراير؛ فإن السوريين يتركون خلفهم أسوأ سنة مرَّت عليهم لغاية اليوم» وفق التقرير. وأشارت المنظمات ال 30 إلى «تصاعد وتيرة العنف بما فيها الضربات الروسية التي بدأت نهاية سبتمبر الماضي» و»حاجة مليون ونصف مليون شخص إضافي إلى المساعدات الإنسانية». وسلَّط تقريرها المشترك الضوء على فرار «قرابة مليون شخص من مساكنهم» منذ مارس الماضي و»تضاعف عدد الأشخاص المقيمين في مناطق محاصرة ليصل إلى قرابة نصف مليون بحسب الأممالمتحدة، فيما تقدّر عديد من المنظمات السورية أنّ الرقم أعلى من ذلك». وأحصى التقرير «تسرُّب 400 ألف طفل من المدارس ليصبح العدد الإجمالي للمتسربين أكثر من مليوني طفل». وعلَّق الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان إيجيلاند، بقوله «يقف قادة العالم أمام اختبار صعب»، داعياً إياهم إلى بذل جهودٍ لوقف الحرب، معتبراً أن «عليهم تبني عملية سياسية شاملة تنهي هذه المأساة التي امتدت على مدى 5 سنوات لتكون وصمة عارٍ على جبين إنسانيتنا».