لكِ منا يا غزة سلام وعليكم السلام. بعد هذه لا نملك سوى أن نتشاتم ونخون بعضنا بعضاً سواء على المستوى المحلي أو بالتعاون مع أخوتنا العرب. نفس الكلام نكرره في كل مرة تثور قضية غزة وسوف نكرر هذا الكلام في السنوات القادمة إلى أن يكتب الله أمراً آخر لا نعلمه. لا أحد يملك القدرة على التدخل. حتى الأشاوس الذين يجوبون البلاد بأحزمتهم الناسفة وينتحرون على كل أرض لا يستطيعون مد العون لأهل غزة. تحس أننا في مباراة كرة قدم. لك أن تصرخ وتشتم وتلعن الصهيونية وأمريكا والأمم المتحدة والصفوية على أن تبقى في المدرج متفرجا. تستطيع شتم أخوانك من الجماهير فقط. ساحة الملعب لا مكان لك فيها. يفجرون في اليمن وفي العراق وفي سوريا وفي لبنان. فتاوى تحرض على القتال في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي كل مكان من العالم بدون خوف أو وجل ولكنها صامتة عن غزة وعن إسرائيل. نفس البكائين والمفتين والشتامين عندما تأتي القضية الفلسطينية لا يجرؤون إلا على خصومهم في المدرج المقابل. ولكي لا أغمطه حقه فالشيخ أبو عبدالرحمن هو الداعية الوحيد الذي وقف في بلكونة في أحد فنادق عمان وأعلن منها بصوت مدو أنه يرى القدس بأم عينيه. عدا هذه المبادرة الشجاعة اليتيمة لم نسمع أو نشاهد أحدا من الدعاة أو غيرهم جرؤ ولو مرة واحدة على ذكر كلمة جهاد مقرونة بفلسطين. حتى الخليفة القاعد في مكان ما بين الشام والعراق نفض يده من مقارعة اليهود وتفرغ لمقاتلة من سماهم المنافقين. الغزاويون لا يعانون أثناء الحرب فقط. وجعهم في السلم أشد وأمر. عندما تسكت الآلة الحربية ويعودون إلى معاشهم اليومي يدخلون في معاناة أخرى. الجوع والحصار ومرارة الإذلال وفقدان الهوية الإنسانية. هذا لا يثير قلقا عند احد. علاقتنا بهم يشعلها ويطفئها القتال. نتبادل النتائج بفرح وغم. كم عدد الضحايا (وهل هم شهداء أم قتلى) كم عدد الأطفال القتلى, وكم عدد القتلى في صفوف العدو. نتائج مباراة في كرة القدم. لا تنفصل السياسة عن الحياة اليومية. القضية السياسية تكون قضية سياسية ويكون للرأي العام دور فيها إذا كانت تمس حياة الناس وتؤثر في معاشهم. لا يمكن أن تكون القضية قضية سياسية إلا إذا كانت تؤثر في الكيان السياسي للشعب المعني بها. ما هو تأثير غزة والفلسطينيين على الأوضاع في الدول العربية والإسلامية. باختصار شديد: لا شيء. القضية الفلسطينية لا تمس معاش الشعوب العربية ولا تؤثر في البناء السياسي لهذه الدول. أطلق عليها في الماضي قضية العرب الأولى لأسباب تتعلق بالاتجاه الدولي في ذلك الزمان. كان العالم في حمى الصراع من أجل تحرر الشعوب. نجحت كثير من الشعوب في تحرير أرضها عدا الشعب الفلسطيني. لا أحد يلقي باللائمة على الإنسان الفلسطيني. فالصراع غير متكافئ وجوهر القضية معقد. ما جعل القضية الفلسطينية تصمد بحيويتها ولم يحقق اليهود نصرا كاملا حتى الآن رغم كل ما يملكونه من سلطة على القوى الكبرى في الغرب يعود إلى العدالة الصارمة التي تملكها هذه القضية. الشعوب المناصرة للشعب الفلسطيني لا تستطيع أن تقدم سوى العطف والتضامن المرطب بالدموع. المفاوضات بين الفلسطينيين وأعدائهم الإسرائيليين تتم برعاية حليف عدوهم الأكبر أمريكا.. يلخص لنا بيريز السياسي الإسرائيلي الشهير هذه المسرحية العبثية بقوله (نحن نتفاوض مع أنفسنا)..