المخدرات داء خطير يهدد أمن وسلامة المجتمعات. إنها مشكلة تعاني منها كافة دول العالم وتعمل على مكافحتها لأن أضرارها ومخاطرها أمر متفق عليه. ولم تعد هذه المشكلة ذات أبعاد تجارية فقط بل تحولت الى سلاح سياسي خطير تمتلكه الجريمة المنظمة وشبكات التهريب وتستهدف به أمن وسلامة الأوطان. واليوم نتأكد أن هذا السلاح يستهدف وطننا الآمن بخطر متزايد بقيادة شبكة تهريب دولية تنشط في تهريب الإمفيتامين الى المملكة كما جاء في خبر العملية الأخيرة. وبشكل عام فإن إنجاز مكافحة المخدرات الأخير المتمثل بضبط (22) مليون قرص مخدر، يقودنا الى مراجعة واقعنا والمخاطر المحيطة بنا بسبب هذا الداء. واقعنا يقول إن 40% من المساجين بسبب المخدرات و 22% من التهم المختلفة سببها المخدرات. وإن الحرب على المخدرات أدت الى مقتل 430 من رجال الأمن منهم 85 من مكافحة المخدرات اضافة الى 293 إصابة خلال أربع سنوات. واقعنا أيضا يشير الى زيادة في عدد مدمني المخدرات ونقص في المستشفيات ومراكز التأهيل. واقعنا يقول حسب دراسة أجريت على مستشفى الأمل عام 1429 على عينة أعمارهم فوق الثلاثين أن 10% منهم بدأوا التعاطي في المرحلة الابتدائية، و 24% في المرحلة المتوسطة، و36% في أولى ثانوي، 20% في الثانية ثانوي و5% في الجامعة. أمام هذا الخطر لا بد أن نشكر ونقدر جهود وزارة الداخلية التي تحقق نجاحات متواصلة في مجال مكافحة المخدرات. في مسار هذا البرنامج الوطني وتلك الجهود أسترجع من ملف الانجازات القبض على عصابة دولية لترويج المخدرات ضبطت وبحوزتها كمية هائلة من الحشيش المخدر بلغ وزنه طنا و(195) كيلو جراماً. وقتها تم القبض على كافة الأطراف أصحاب العلاقة وجميعهم من المقيمين في المملكة. تلك إحدى قصص النجاح لمكافحة المخدرات حيث تم اكتشاف الجريمة وايقافها قبل انتشار سمومها التي تهدد سلامة المجتمع وعقول أبنائه وصحتهم. اليوم أمامنا قصة نجاح جديدة حيث نجحت الجهات الأمنية المختصة بالتنسيق والتعاون مع الجهات الأمنية بمملكة البحرين من رصد ومتابعة وإحباط محاولتين لتهريب (22 مليونا و85 ألفا و570 قرص إمفيتامين) تقدر قيمتها بأكثر من مليار ريال. وهذه أكبر كمية ضبطت على مستوى العالم حسب ما علمته من مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية الأستاذ عبدالإله الشريف. نحن أمام خطر واضح وقضية ذات أبعاد مختلفة واذا كان البعد الأمني مهم في حماية الوطن فإننا نقف احتراما للجهات الأمنية على يقظتها وإنجازاتها المتواصلة ولكن الشكر والتقدير لا يكفي فالقضية تتطلب وجود تعاون وتنسيق وتكامل للجهود بصفة مستمرة من الجميع وخاصة الجهات ذات العلاقة المؤثرة في هذه القضية مثل وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم. مطلوب من وزارة الصحة التسريع في إنشاء المستشفيات المتخصصة، ومطلوب من الشؤون الاجتماعية تفعيل وتطوير جهودها وبرامجها في معالجة الادمان ومتابعة المتسولين والمشردين، ومطلوب من وزارة التربية والتعليم تفعيل البرنامج الوطني الوقائي للطلاب والطالبات وتطوير أساليب وطرق الارشاد والتوجيه وتعزيز السلوك الايجابي وتخريج المواطن الصالح القادر والراغب في المشاركة الايجابية في خدمة الوطن، وهذا يتطلب جعل بيئة المدرسة بيئة جاذبة. القطاعات الأمنية تقوم بدورها وتشكر على جهودها وانجازاتها وهي مستمرة في حربها على المخدرات. أما من حيث الأمن الوقائي فهو دور لابد أن تشارك فيه كافة قطاعات المجتمع ولهذا نقول لمكافحة المخدرات (نحن معكم) ويجب أن نترجم هذا العبارة أو الشعار الى عمل ومشاركة فعلية على مستوى الأفراد والمؤسسات. في إطار البرامج الوقائية أتذكر حين تم ضبط كمية الحشيش التي أشرت اليها في بداية المقال أنه تم إحراق الكميات المضبوطة بحضور عدد من المسؤولين في جهاز مكافحة المخدرات. وقتها كنت أتمنى التنسيق مع وزارة التربية والتعليم لاستثمار تلك العملية الناجحة في مجال التربية، والمعروف أن الأثر التربوي يكون أقوى بالوسائل العملية أكثر من الوسائل النظرية. وفي إطار مكافحة المخدرات جانب أمني وجانب وقائي (تربوي) واذا كان رجال مكافحة المخدرات يقومون بدورهم بما يحققونه دائما من انجازات فان الجانب التربوي في هذه القضية يحتاج الى مزيد من التفعيل. على سبيل المثال كان يمكن دعوة مجموعة من الطلاب لمشاهدة عملية احراق الحشيش وتوفير تغطية اعلامية تربوية تندرج تحت مظلة الاعلام التربوي الهادف. إن مشكلة المخدرات مشكلة دولية وهي تجارة إرهابية مدمرة تغذي جيوب تجارها وتدمر عقول مستخدميها وتقود الى مشكلات أسرية واجتماعية وصحية وتؤدي بالإنسان مهما بلغ في سلم النجاح الى الحضيض. ومثلما هو مطلب ضروري أن نتعاون ونوحد الجهود وننسقها في مكافحة الارهاب فإن المخدرات لا تقل خطرا عن الارهاب ولو تجولنا في المستشفيات ومراكز العلاج لوجدنا قصصا مأساوية ناتجة عن المخدرات وهي تمثل مادة تربوية قوية في مسار الأمن الوقائي. تلك القصص تصيب أفراد المجتمع بالرهبة والقلق وخاصة الآباء والأمهات، والمربين، والمصلحين الاجتماعيين، والمعلمين، ومديري المدارس، والمرشدين وغيرهم من المسؤولين عن سلامة وصحة المجتمع. نقول شكرا لوزارة الداخلية بكافة قطاعاتها ونقول لرجال مكافحة المخدرات، أنتم أبطال تستحقون التقدير ولكن تستحقون أكثر أن نتعاون معكم ونشارك في المحافظة على مجتمع آمن وصحي وخال من كافة الآفات المدمرة.