صوته شجيّ ومعبّأ بالشجن وكانت بداياته لافتة ومبشرة بنجم واعد سيحتل له موقعاً متقدماً في خارطة الفن السعودي الذي يزخر بأسماء قوية وريادية إلا ان من استمتع له وقتها راهن على استحقاقه الصفوف الأولى رغم شراسة المنافسة. هو الفنان عبدالله الجساس الذي ما إن يرد اسمه الا وتحضر اغنيته الذائعة الصيت " يا زين انا احبك " التي دوّت في كل منزل وقتها معلة قدوم صوت أخاذ يشكل اضافة نوعية للفن السعودي . ورغم ان موهبة الجساس كبيرة صوته دافئ وحنون كما انه رفد موهبته بالدراسة الموسيقية لاثراء معرفته كما يقول إلا انه لم يستمر وتوارى عن الأنظار تاركاً حسرة وعلامات تساؤل حول هذا الغياب الذي كشفه في حوار قديم استللنا منه هذه المقتطفات في الجزء الثاني في سِيرة من الزمن"الجميل الغائب(2/2). يكمل حديثة الفنان عبدالله جساس ويلفت الى الروح الفنية التي كانت سائدة وقتها فالصحفيون والناس بشكل عام لديهم شغف بالفن وتلهّف والجمعية كانت كما ذكرت لكم في بداياتها ولكن المناخ كان فنياً بامتياز وهو ما استطيع ان اقول انه ولادة للفن وكذلك الجمعية وبزوغ نجوم مواهب واعدة رافقها دعم من الجمعية التي يقف خلفها رجل مقتدر. ويؤكد الفنان عبدالله على اهمية التثقيف الموسيقي وعدم الاقتصار على الموهبة وجمال الصوت فيقول إنه وبعد نجاحاته المتعددة لأكثر من حفلة وتلقيه العديد من الإشادات بصوته وموهبته فإنه رأى ضرورة ان يرفد هذه الموهبة بالدراسة مما دعاه الى الالتحاق بالمعهد الموسيقي بقصد اثراء معلوماته ولم يكن هدفه العمل بالمعهد كعازف مثلا او خلافه كما هو حال بعض زملائه مشيراً الى ان المعهد عسكري ويرأسه وقتها الأستاذ طارق عبدالحكيم . ويشير عبدالله الجساس الى نقطة مهمة وهي ان انطلاقته الفعلية كانت بسبب اغنية " يا زين انا احبك" التي كان لها اصداء جميلة بعد ان صدح بها في حفل نادي الشباب لكنه يعود ليستدرك منوهاً الى ان هذه الأغنية رغم اهميتها في مسيرته الا انها لم تكن السبب في بروزه بدليل ان اختياره للمشاركة في هذا الحفل كان بناء على بروز ونجاح سابق حققه من خلال شريط سمعي لفت اليه الأنظار وفي مقدمتها جمعية الفنون بالرياض التي بحثت عنه وطلبت مشاركته . بدر بن عبدالمحسن من أوائل من شجعوني ولا زالت ابتسامته حاضرة في وجداني ويكشف الفنان الجساس عن وجود بعض العقبات والإجراءات البيروقراطية وقتها من ضمنها ما لاقاه من صعوبة عند تقدمه للاذاعة والتلفزيون لتسجيل اغنية "يا زين انا احبك" حيث تذرع التلفزيون بأنني فنان غير معتمد وقتها وكانت تلك المصطلحات غريبة لمبتدئ مثلي الأمر الذي دعاني الى تدعيم ثقافتي بالاطلاع وبالفعل تقدمت للاختبار في الاذاعة ووجدوا ان صوتي لا زال غير ثابت ويميل للصوت الطفولي اكثر "طبقة السبرانو" وكان من ضمن اللجنة ذلك الوقت الاعلامي القدير زهير الأيوبي ورأت اللجنة ان اغني في الاذاعة ولكن ككورال مساند وبالفعل مع مضي الأيام وازدياد الخبرة الفنية اكتشفت صحة تلك الآراء واهميتها . ويقول عبدالله الجساس انه مع الوقت اصبحت مطلوباً لدى الفنانين ككورال ثم تطور الأمر واصبحت اطلب من كافة فئات المجتمع سواء الميسورين او كل من لديه مناسبة سواء زواج او ملكة او حتى طهار تجدني مطلوباً وكذلك اصبحت اطلب لإحياء سهرات خاصة لدرجة اني لا اجد وقتاً اجلس فيه في بيتي وشعرت وقتها بما يشعر به الفنانون من ثقل الشهرة وافسادها لراحة الفنان وتمر علي لحظات صعبة جداً بسبب الملل الذي ينتابني من هذا الالتزام والتجوال الدائم. «يا زين أنا أحبك» لها أصداء جميلة بعد حفل نادي الشباب عام 1979م وبنبرة لا تخلو من حزن يعلل عبدالله الجساس انقطاعه لظروف خاصة ابعدته عن الفن، لكنه عندما حاول ان يعود لم يجد الطريق سهلاً ولم يجد المؤازرة المتوقعة معتبراً ان العودة تحتاج إلى دعم ومؤازرة كالتي وجدها الراحل طلال مداح حين انقطع عن الفن خمس سنوات تقريباً وحين عاد وجد كل الدعم. ويضيف الجساس: مما صعّب عملية العودة هو ضياع ملامح الأغنية وتغير الظروف الفنية حتى بدت لي غريبة وظهرت الأغنية التي يسمونها شبابية ورغم قدرتي على أداء كل هذه الألوان ولله الحمد فضلاً عن كوني كنت حاضراً فنياً الى جوار فنانين كبار كطلال ومحمد عبده وشاركت معهم في حفلات الا اني لم استسغ هذا التوجه الفني الغريب ذا الطابع السريع الذي يعتمد على الصورة او ما يسمى بالفيديو كليب الذي تلاحقه العين وتلهث دون تحقيق متعة فنية سماعية ويواصل الجساس قائلاً: لا شك ان الذائقة تغيرت ولعلك تلاحظ ان البعض ينتقد حتى ام كلثوم ويطلق آراء غريبة عنها منها ان صوتها يجلب النوم وهو يجادل في هذا الرأي ويعلنه دون فهم الأمر كذلك ينطبق على الفنانة وردة التي كانت تؤدي اغاني عالية بها صراخ عال حتى جاء سيد مكاوي هذا الملحن الفذ وقدم لها الحاناً شرقية رائعة غيرت من نمط الفنانة وردة وبطّلت الزعيق. وينفي الفنان عبدالله الجساس ان يكون قد تقوقع على نفسه ولم يتغنّ بألحان كبار الملحنين حيث يقول: غنيت للكثير من اهمهم الموسيقار طارق عبدالحكيم وزايد طارق واحمد سعيد وهو قائد فرقة مشهور من اوئل الفرق في المملكة، اما الشعراء فمنهم احمد الناصر وخالد اسماعيل وكذلك راشد بن جعيثن وعبدالوهاب الجارالله ويلفت الجساس الى ان سبب ابتعاده ليست كما اعتقده الجمهور انه تقوقع ويرجع الجساس حقيقة هذا الابتعاد الى تغير الظروف والذائقة التي لم تسهم في ظهور اصوات اخرى واحبطت الكثير وانا منهم.! فمثلاً تجد الجمهور لا يرى غير طلال مداح او محمد عبده في الفن ويبقى البقية صفاً ثانياً ورغم ظهور صف ثاني كعلي عبدالكريم او عبادي او غيرهم الا انه رغم شهرتهم وظهور اغان رائعة لهم" تكسر الدنيا " الا انه مع مضي الوقت يختفي بريق هذه الأغنية لذلك طلال ومحمد اعتبرهما مثل من يتوجه الى البقالة ويطلب نوع كلينكس من المناديل رغم وجود انواع اخرى جيدة ومن الماء موية صحة فقط رغم ان هناك اسماء اخرى موجودة ولعل هذا ما يفسر احباطي واحباط الكثير. عبدالله الجساس عام 1394ه