لا أتوقف عن التفكير في ما يحدث في سوريا، فماذا يريد النظام الأسدي من الشعب السوري، وماذا تريد روسيا والصين من سوريا، فهل المطلوب أن تخوض سوريا حربا أهلية من أجل أن تتخلص من الكابوس الجاثم على صدرها منذ أكثر من 40 سنة، وهل يجب على السوريين أن يدفعوا الثمن غاليا من أجل أن يحصلوا على حرياتهم، وهل يجب أن يقتل منهم يوميا المئات وأن تدك أحياؤهم بالمدافع والدبابات وأن تهدم مساكنهم على رؤوسهم وأن يشردوا في الأرض حتى يقتنع العالم أن الحرية حق لهم وليست "عطية" يمن العالم عليهم بها. المسألة أصبحت أخلاقية وعلى العالم أن يعي أن ترك المواطنين السوريين العزل دون حماية ليواجهوا نظاما متوحشا هو خرق لكل الأخلاق الانسانية المتعارف عليها، انها عودة إلى الوحشية وقانون الغاب. ما يحدث في سوريا يعري المثقف العربي كما يعري الكثير من الأنظمة العربية، إنها أحداث تؤكد أن العالم لم يصل بعد إلى النضج المطلوب، لكنها في نفس الوقت تقول لنا «ما حك جلدك مثل ظفرك»، لأنها أكدت على أنه إذا لم نستطع حل مشاكلنا بأنفسنا فلن يحلها العالم لنا لقد أكد خادم الحرمين، حفظه الله، على هذا المعنى في حديثه مع الرئيس الروسي وفي تعليقه على "الفيتو" الأممي الذي يجعل ثقتنا تهتز فعلا في الأممالمتحدة. أن موقف الملك، يجعلني اتذكر عبارة تقول "رب همة أحيت أمة"، وخادم الحرمين بهمته العالية ومواقفه الثابته يحاول أن يعيد لهذه الأمة الحياة ويجعلها أمة فاعلة ذات قيمة. انه آخر الزعماء العرب المؤثرين، ومن يسمعه لا بد أن يتعاطف مع ما يقول، لأنه يتحدث من القلب. وحديثه حول الفيتو الروسي/الصيني كان ضد اللا أخلاق الذي صار العالم عليه وهو ضد أن يترك شعب ليذبح لمجرد مصالح دولة هنا ودولة هناك. انه حديث يضع أخلاق العالم في موقف لا تحسد عليه. العالم يواجه أزمة أخلاقية بسبب سوريا، لأنه من غير المنطق أن نساوي بين شعب أعزل ونظام مدجج بأحدث الأسلحة ونقول إنه يجب وقف القتل من الطرفين، هذه "مساواة غير عادلة" انها تهدف إلى خلط الأوراق، وعندما تخرج من شاعر ومفكر بقامة "أدونيس" فإنها تكون كارثة أخلاقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد أذهلني انتقاد الشاعر "العلوي" للمعارضة وأذهلتني مقالاته التي ينشرها في جريدة الحياة التي يحاول أن يجعل ثقافة العنف في سوريا ذات جذور تاريخية وأنها نتيجة لتاريخ طويل من الاستبداد لكنه لا ينسى ابدا أن يؤكد بين جملة وأخرى أن هذا الاستبداد من النظام والمعارضة. الشاعر المتحرر والذي كان يقول انه هرب من سوريا بسبب الظلم لا ينسى ابدا انتماءه الطائفي ويعود إليه بشكل بائس عندما وجد أن النظام الأسدي الطائفي، الذي كان يتشكى منه طوال العقود الماضية، بدا يترنج وشعر أنه في طريقه للزوال. أعتقد أن "المثقف العربي" الذي يمثله "أدونيس" هو أحد اسباب تخلف العالم العربي، لأنه مثقف دون مبادئ ودون إيمان. المثقفون العرب يتحدثون كثيرا طالما أن المشكلة لا تمسهم، لكنهم ينقلبون على كل المبادئ التي يتنطعون بها عندما تصبح المشكلة في جحورهم. وأدونيس صاحب "الثوابت والمتغيرات" أكد على أن عالم المبادئ التي يؤمن به ليس فيه أي ثوابت بل أنه عالم من المتغيرات. المشكلة السورية لا تتوقف عند "أدونيس" بل انها تمتد إلى كثير من المثقفين والفنانين السوريين، فهم بلا موقف ولا ظهور إعلامي، انهم ينتظرون من المنتصر لكي يؤيدوه، فهم بلا انتماء، فمصالحهم الشخصية ورضى "الجمهور" عنهم هو الانتماء الوحيد لديهم. لقد تعلموا من الدرس المصري كثيرا، فمواقف بعض الفنانين من النظام السابق انقلبت ضدهم وخسروا بذلك الكثير، لقد استوعب الفنان والمثقف السوري الدرس إلى درجة أننا فقدنا الاحساس بوجودهم، فلم يجرؤ كثير منهم على مجاراة "فرزات"، فليس كل فنان "فرزات" وليس كل من يدعي المبادئ صادقا فيما يدعيه. انها علامة استفهام أخرى حول المثقف العربي الذي يتحدث كثيرا ويظهر عنترياته "التمثيلية" و "الخطابية" لكنه خاو من المبادئ الحقيقية. ومع ذلك يجب أن نستثني هنا من هم أمثال "برهان غليون" صاحب "اغتيال العقل" فهذا المثقف الذي انتقل من الكلام للفعل يجعل الكثير من المثقفين يراجعون مواقفهم ومنجزاتهم الشخصية. ما يحدث في سوريا يعري المثقف العربي كما يعري الكثير من الأنظمة العربية، إنها أحداث تؤكد أن العالم لم يصل بعد إلى النضج المطلوب، لكنها في نفس الوقت تقول لنا "ما حك جلدك مثل ظفرك"، لأنها أكدت على أنه إذا لم نستطع حل مشاكلنا بأنفسنا فلن يحلها العالم لنا، لأن موقف باقي العالم منا مبني على مصالحه الشخصية، يجب أن تتعلم جامعة الدول العربية على أن تطور من آليات الحلول لديها ويجب أن تكون قوية أكثر من السابق بل يجب عليها أن تكون أقوى من اي دولة عربية منفردة، فلو أنها كذلك لاستطاعت أن تروض النظام السوري المستبد. أتمنى على المستوى الشخصي أن تتحول هذه الجامعة إلى قوة عربية رادعة، وأن تتخلص من الحول المسكنة التي تعودت عليها. ربما يكون قد آن الأوان لهذا التحول، لأننا تعلمنا من دروس الربيع أو الخريف العربي، وليسمه من شاء منكم كما يشاء. ويجب على العرب أن يعوا أنه لا مجلس الأمن ولا هيئة الأممالمتحدة سوف تحل لهم مشاكلهم. والحقيقة هي أن ثقتنا بهيئة الأمم مهزوزة منذ عقود والبعد بيننا وبين هذه المنظمة يزداد يوما بعد يوما، لأنها وجدت من أجل حماية الدول الكبرى لا من أجل تحقيق العدالة في هذا العالم. العدالة التي نبحث عنها يجب أن ننتزعها لا أن ننتظر الدول الكبيرة كيف تتفضل بها علينا. بالنسبة لي، لقد كشف الربيع العربي عن حال الأمة العربية بحق، ورغم الثمن الغالي الذي تدفعه بعض الشعوب العربية، وعلى رأسهم سوريا الحبيبة، إلا أن هذا الربيع وضع خارطة طريق جديدة لهذه الأمة ليس على المستوى السياسي فقط بل على المستوى الثقافي، فنحن على وعد مع حالة ثقافية ناقدة ومتوثبة، ونحن على انتظار لمثقفين يحملون مبادئ وأخلاق سامية صنعها هذا الربيع.