"الموارد البشرية "تطلق خدمة "أجير الحج" و"التأشيرات الموسمية" لموسم الحج        200 كشافة سعودية تساند أمن "الحرم المكي" في الحج    10 ملايين نازح.. اشتعال 3 جبهات بين الجيش السوداني والدعم السريع    جنة ينافس العيسى على رئاسة الأهلي    الفلبين تحظر واردات الطيور والدواجن من أستراليا بسبب أنفلونزا الطيور    انخفاض الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 10 يونيو    غزة تستغيث لتوفير مولدات كهربائية للمستشفيات    قرار الأمم المتحدة بوضع إسرائيل على القائمة السوداء خطوة في الاتجاه الصحيح    الطقس: حار إلى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    بعد الهزيمة ساوثجيت يحذر لاعبي إنجلترا قبل بطولة أوروبا    نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    "آبل" تخرج بعض إصلاحات "آيفون" من الضمان    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأردن    الاتحاد يمدد إعارة حامد الغامدي    "أبل" تدعم تطبيق البريد ب "الذكاء"    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    "قاع الحاج" بالعُلا.. استراحة الحجيج قديماً    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    بيئة نجران تدشن اليوم العالمي للبيئة تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"    الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار        الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات    المملكة عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027م    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    منصور ابو شهران في ذمة الله    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    القبض على 3 أشخاص بالمنطقة الشرقية لترويجهم (5.5) كيلوغرامات من الحشيش    «الأرصاد» ينبه من شبورة مائية على محافظة ينيع ومركز الرايس    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    أغنيات الأسى    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنطولوجيا للأدب السعودي بشهادات وحوارات
شكراً عبدالناصر مجلي على محبتك
نشر في الرياض يوم 09 - 06 - 2005

في مناسبة اجتماعية هادئة، تتصل بجانب الإعلام والعلاقات العامة بكل تجلياتها، انفسح حديث جانبي انتهازاً مني ومن محدثي الألق.. لفجاءة اللقاء الأول وتحين من سيأتي لاحقاً، عن أنطولوجيا الأدب السعودي الجديد (هكذا عنوانها). بعد دهشة منه لحظة سردت محتوياتها، قال: لعلها تكفي عن موسوعة الأدب.. (ابتسمت..)، فقلت: موسوعة الأدب لنا أما الأنطولوجيا نهديها الأصدقاء العرب.
.. على أي حال، ليس الغرض من الإتيان بتلك المحادثة - عن إصدار يخص الأدب السعودي - إلا رصداً، لمسألة مهمة لا تخص موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، إعداد: لجنة علمية دار المفردات - 2001، أو أنطولوجيا الأدب السعودي الجديد: معطى حداثي عالي الصوت في فضاء منسي (شعر - قصة - رواية شهادات - حوارات)، مختارات: عبدالناصر مجلي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 2005م. . إن تلك المسألة، مسألة أن تصدر موسوعة أو أنطولوجيا (أي: مقتطفات مختارة بحسب مورد البعلبكي - 1990)، تثبت أمرين مهمين:
1 - أن هذا الأدب، عبر تنوع أجناسه، تراكم نتاجاً وتعدد أجيالاً، سواء بصيغة العرض النقدي والتاريخي في الموسوعة، أو التقديم والتعريف بإشكالات مايزت الإنتاج والمبدع/ المبدعة كما في الأنطولوجيا.
2 - أن هذا الأدب، عبر مكانه وهويته، في انتماء إلى الجغرافيا ومشاركة في الحضارة (العربية خاصة والإنسانية بأعم)، يوضع في مبدأ الاعتراف دفعاً به إلى التفاعل بالمستويات المتعددة. (كما هي رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود للموسوعة دعماً وتمويلاً من جهة، ومن أخرى أن تقوم دار نشر لبنانية إصدار مختارات للأدب السعودي لمحرر أو أديب من اليمن).. إن بين توفر تلك الموسوعة أو الأنطولوجيا، لهذا الأدب، الأدب العربي السعودي، كان عبر تجربة التاريخ والتجايل من جهة والأخرى مسألة الاعتراف والتواصل، ليس تعطي القارئ/ القارئة وحدهما، في السعودية وخارجها، بل المبدع/ المبدعة السعوديين أن يريا بعين لا تخشى ذلك «الجبل الأدبي» الذي تستند عليه تجربة الأجيال السابقة، في مختلف الأنواع الكتابية وأجناسها الأدبية، سواء في مجال الشعر الذي ابتدأ في صرخة محمد حسن عواد: «خواطر مصرحة - 1927»، التي أعادت الانحراف الكلاسيكي، إلى المجال الرومانسي، والإسهامات التي بلورت نقدياً النظرية الأدبية في الشعر، عند عبدالله عبدالجبار: «التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية - 1959» أو فلسفياً في كينونة الشاعر (أو الشاعرة) عند عبدالله القصيمي في كتابيه: «أيها العار إن المجد لك - 1971، العرب ظاهرة صوتية - 1977» ثم كتاب الشاعر والناقد محمد الرميح: «قراءات معاصرة - 1972»، مروراً بكتاب أثار ضجة في الوسط الإعلامي الأدبي والأكاديمي: «الخطيئة والتكفير - 1985»، لعبدالله الغذامي ، اعتنى بالنظرية البلاغية عبر منهج بنيوي - تشريحي (التفكيكية عن آخرين)، تتويجاً لذلك الأدب صدور كتاب: «ثقافة الصحراء - 1990» لسعد البازعي، المتناول لسينوغرافيا المتون الإبداعية: قصة وشعر، لأجيال ما بعد الحداثة ومداها في التنوع الكتابي والحالات التي تنطق عنها.
.. على أن هناك كتباً صدرت على شكل مختارات (حملت صبغة إقليمية، لم تدرس حتى الآن) منذ البداية لكنها وقعت في تجميعية مهدورة الحس النقدي في غالبها على أن: «أدب الحجاز - 1926»، لمحمد سرور الصبان يعد نواة لنقلة شعرية مهمة في منطقة الحجاز (مثلاً: محمد حسن عواد وحمزة سحاتة)، والمدهش في المقدمات المشبهة للبيانات الشعرية في كتاب: «شعراء نجد المعاصرون - 1960» لعبدالله بن إدريس. تعطينا صورة مهمة لمرحلتين من التحول الشعري من الكلاسيكية إلى الرومانسية (مثالاً: عبدالله الفصيل ومحمد الفهد العيسى) من جهة، ومن أخرى إلى ارهاصات الحداثة الشعرية (مثلاً: ناصر بوحيمد ومحمد العامر الرميح).. كذلك إلى بؤر ضوئية نثرها، مطلع الثلاثينات في القرن العشرين المنصرم، عبدالقدوس الأنصاري ومحمد علي مغربي من جهة ومن أخرى أحمد سباعي ومحمد الجوهري، ما يعد النواة الأولى للمتون الروائية التي سوف تأخذ فترة حتى تبين ملامحها، ليس كما حدث مع رواية: «زينب - 1914»، الموقعة باسم فلاح مصري، ولم يكشف اسمه محمد حسين هيكل حتى مثلت في السينما(1) بنفس الاسم - 1930 إنما فيلم صامت مثلته: بهيجة حافظ وسراج منير، أخرجه: محمد كريم (مخرج أفلام محمد عبدالوهاب)، وهذا السبب الذي سوف يكرس من تجربة سميرة بنت الجزيرة أو سميرة خاشقجي، عندما مثلت لها رواية: بريق عينيك - 1963» (2)، تلك الروائية التي ابتدأت المرحلة الرومانسية في الأدب السعودي، كما بدأ الرواية السياسية عبدالرحمن منيف مجايلها والواقعية عند إبراهيم الناصر الحميدان.. إن صدور كتاب: «فن القصة في الأدب السعودي الحديث»، لمنصور الحازمي (متكون من بحوث ومقالات ابتدئ نشرها منذ 1959 حتى زمن صدور الكتاب أول مرة 1981)، ولكن لم يلم بكثير من دواعي النشأة ومحاولات النهوض والفعالية وصولاً إلى إرهاص تهيئة لمستجدات الفورة في التسعينات إنما نالت اهتماماً في كتاب: «فن الرواية - 1989»، للسيد محمد ديب.
.. فيما أن موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، في مجلداتها التسع تناولت، غير الشعر، الرواية والقصة القصيرة، هناك السيرة الذاتية، المقالة والمسرحية، ولكن الأنطولوجيا ركزت على الآداب المكرسة في أجناسها، البعيدة عن التعليق والتقييمي مثل: المقالة، كذلك المرتبطة في حالة فردية كالسيرة الذاتية، والتي لا تقوم إلا على الفعل الجماعي كالمسرحية (مثل الأغنية والسينما).
ديوان جزيرة العرب: الشعر
.. لم تكن الأنطولوجيا، مهتمة للتزامن التاريخي بل انتصرت إلى انتقاء شواهد شعرية أو رموزاً شعرية كرستها التجربة أو النوايا الشعرية الحسنة (ربما السيئة في أحايين!).
.. قدم المحرر: مجلي، تأرخة مختصرة لأربعة أجيال شعرية (ص:24)، تعد مبتكرة ومحاولة تصنيف حرية بالنظر والتأمل كذلك أن تطور لتنمو، وهي كالتالي: الجيل الأول الذي بدأ في 1917 ممثلاً في التيار الحجازي لأبنائه الذين ولدوا ما بين (1894 - 1913): عبدالوهاب آشي، محمد سعيد العامودي، محمد عرب، حمزة شحاتة ومحمد حسن عواد.. هؤلاء شعراء جددوا في زمانهم صور الشعر وإيقاعاته (ص:24)، ثم الجيل الثاني من ولدوا بين (1915 - 1935): حسين سرحان، محمد حسن فقي، طاهر زمخشري، محمد الفهد العيسى، عبدالله الفيصل، حسن قرشي (أين ناصر بوحميد ومحمد العامر الرميح وادة الصحراء؟) هؤلاء الشعراء الذين عبروا عن التيار الرومانسي في دفعته الثانية، وتجلى فيهم: «الحزن الكوني الإنساني إضافة إلى القلق الوجودي (ص:24)، ثم الجيل الثالث مواليده (1940 - 1955) غازي القصيبي ومحمد العلي (الغريب أن الأول مولود 1939 أما الثاني 1931) وعلي الدميني، سعد الحميدين، صالح الصالح (هل يقصد مسافر: أحمد الصالح؟)، فوزية أبو خالد، عبدالله الصيخان وخديجة العمري (أين محمد جبر الحربي وعبدالله الخشرمي؟) هؤلاء شعراء: جيل الرفض والمعاناة» (ص:25)، ثم الجيل الرابع مواليده (1967 - 1973) يراه جيلاً: «تحمل وزر كل النكبات.. والهزائم السابقة (هزيمة حزيران 1967، أيلول الأسود - 1979، غزو بيروت - 1982 وحرب الخليج الأولى - 1980» (ص: 25) ممثلاً ب: غسان الخنيزي، هدى الدغفق، محمد حبيبي، هاشم الجحدلي، أحمد كتوعة وعيد الخميسي. حيث رأى أن هذا الجيل هو الأب الشعري للجيل القادم (لما بعد التسعينات والعشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين)، لأنه: «جيل الاستحقاقات المؤجلة» (ص:25) حسب نتاجهم الذي اصطبغ ب«: «سوداوية وعبثية وعدمية وتحريض وتأمل وطرح أسئلة إلا نتيجة ما عايشه (إنني أكره الواوات المنفرطة - أعذروني)» (ص:25)... بدافع المحرر: مجلي، عن سحب مقولة: الشعر ديوان العرب، على الزمن الحاضر لمجرد اشكالات يمر به الشعر متأملاً أن سيغلبها ويجتازها (ص:45). كما أن مختاراته الشعرية تكشف عن: «جدية المشهد الشعري في المملكة وتسيده وسيطرته على الواجهة الإبداعية في هذا البلد العربي المترامي الأطراف» (ص:47).
.. يخلص لتفنيد تلك المقولة (من صاحبها المفاخر بالشعر؟) بممايزة وفن الرواية: «فإذا كانت الرواية اجتهاداً شخصياً، ومغامرة خاصة بمبدعها بغض النظر عن مدى تمكن هذا المبدع من إيصال صوته كاملاً بشروط الرواية المطلوبة، فإن الشعر - بإرثه الضارب في القدم كتجربة ونتائج لا تقبل الشك في منطوق إفاداتها المشبعة والمتخمة، والثخينة الإرث والإبهار والأسبقية والتطور الممنهج، اشتغال على الكون وعلاته، وهنا الفرق في نسبة التأثير ومساحة الانتشار» (ص:48).
.. انتصرت المختارات إلى شعر التفعيلة وقصيدة النثر، ما جعله يستبعد التيار الكلاسيكي (أحمد الغزاوي وعبدالله بن عثيمين) كذلك التيار الرومانسي سواء في البرهة الحجازية (طاهر زمخشري ومحمد حسن فقي) أو النجدية (محمد الفهد العيسى وحمد الحجي)، فيما يفتتح المختارات بقصيدة: «الوجع» لمحمد العلي، ويختار نصاً من شعر التفعيلة سردي الطابع: تين وجِمَّيْز» لمحمد حسن عواد. كذلك يفاجئك تقدير المحرر بتقديم أصوات متفاوتة المستوى ومتنوعة في الأشكال والمضامين ضمن إطار التفعيلة وقصيدة النثر كأن نجد قصيدة لسطان القحطاني (ص:225) الناقد والروائى أو أن نجد صوتاً واعداً سلمى شيخ باوزير (ص:227) وحمد الماجد (ص:195) كذلك أصوات لم تتكرس توفيت مثل علي الفرج (ص:211) ومختفية مثل: غيداء المنفى (هيا العريني) (ص:237)، لكنها مفخرة للشعر السعودي والعربي.
آمال القص المنسية: القصة القصيرة
.. إن غواية القص السعودي، في فن القصة القصيرة - إذا تجاوزنا البداية بين أحمد السباعي وإبراهيم الناصر (الحميدان) (ص:247)، تمثلت فعاليتها في الحضور والتجلي، عبر تجربتين كما نعرف أو يسمي الأولى الناقد منصور الحازمي: «جيل الغرباء» (3) المكوّنة من جيل صدرت نتاجاته الأولى على آثار نكبة حزيران على حد تعبيره (هزيمة حزيران في الأعلى أو اكتمال احتلال القدس من قبل إسرائيل)، وهم: محمد علوان «الخبز والصمت - 1977»، حسين علي حسين «الرحيل - 1978»، وجارالله الحميد «أحزان عشبة برية - 1979»، وفي ذات العام عبدالعزيز مشري «موت على الماء - 1979». .. أما التجربة الثانية تتجلى في «نسونة القصة القصيرة» أي تركيزها على قضية المرأة من خلال زخم كتابي نسائي أفردت له الأنطولوجيا فسحة في قسم خاص تكشف عن محايلات لتجاوز عقبات «التابوهات: الجنس، الدين والتقاليد» (ص:249)، وأزمة: «المحرم المكاني» (ص: 249)، حيث تظل ممارسة الكاتبة السعودية (أو في الجزيرة العربية عموماً) في السبعينات والثمانينات، إذا ما عرفنا الانغلاق والنفي الذي حيق بسميرة بنت الجزيرة (سميرة خاشقجي)، في تعثر استتباع المشروع الروائي كما حدث على خجل من قبل (أمل شطا وهدى الرشيد)، فيما أستمتن الكاتبات، كاتبات القصة القصيرة، في تكريس جنس القصة القصيرة تعبيراً عن هامشية وضع المرأة معادلة الهامشية القصة القصيرة، ضمن إطار فن الحكي أو السرد، حيث كانت الرواية جنيناً يختض في أرحام مبدعين/ مبدعات لم يتسن لهن إتمام الحمل حتى ولادات منفجرة في التسعينات (رجاء عالم، عبده خال ويوسف المحيميد)، فسنجد: أميمة الخميس، ليلى الأحيدب (الغائبة من الأنطولوجيا)، بدرية البشر، شريفة الشملان، لمياء باعشن وفوزية الشدادي. (ص:375-450).
تضاريس الذاكرة: شهادات
.. يختتم المحرر: مجلي، تقديم الفصل الثالث: شهادات، بأن الغرض من هذه: «الشهادات (التي لم تأت بيسر بل بعد جهد وملاحقة (ص:459)، أنها هي تنقيب مقصود، وحفر عميق، في ذواكر ضارية لا تغفل بداهة التفاصيل، مهما بدت صغيرة وهامشية، شديدة العمق وواسعة الإبداع، والإلمام الحاذق بجدلية التوافق والمزج الحياتي والعام، بأسلوب إنساني عذب، يدعو إلى الدهشة بشكل فريد» (ص:460)... إن هذا الخطاب الغنائى مس كامل التقديم، وما الذي من الممكن أن يبترد في حال انفعالي دافعه تقديم أنطولوجيا الإبداع والحداثة في الأدب السعودي بدل ترك أن تعمم صورة قاتمة ممكن أن تطال وتشكل واجهة، لدواعٍ خارج ما هو إبداعي - إنساني تحتطب من السياسي والأيديولوجي دوافعها، على أن لا أحد يبرأ من كونها تحضر وتفلت شياطينها على الرؤوس وتحت الأقدام.
.. تنوعت الشهادات من الناقد (كعبدالله الغذامي) والشاعر أو الشاعرة (كمحمد الثبيتي وهدى الدغفق) والروائى أو الروائية: إبراهيم الناصر ورجاء عالم). أخذت شهادات مكتوبة سابقاً أو منشورة سابقاً، ولم يشر إلى ذلك سوى مرة، في كتب كشهادة: «محاولة لرسم خارطتنا الثقافية» (ص:461)، من: «الموقف من الحداثة» للغذامي نفسه كما أشير في الهامش ذات الصفحة وشهادة: «لست وصياً على أحد» لعلي الدميني، من كتاب: أفق التحولات في الشعر العربي (5) أو من تحقيق صحفي مثل: «الرواية في المخزون الشعبي» لرجاء عالم (6)، فيما تفاوتت الشهادات بين بعض وآخر، فتألقت أخرى مثل شهادة الشاعرة فوزية أبو خالد (ص:467) التي فتحت قضية كتابة أول ديوان قصيدة نثر لمحمد العامر الرميح (المتوفى 1978) عبر ديوانه: «جدران الصمت - 1974» (ص:469). كذلك شهادة عبده خال: «البحث عن عُري إضافي» (ص:495).
فصاحة السرد: الرواية
.. ضمن ما اعتمد عليه بين الدفاع والهجوم أو التكريس والشرعنة، هو الاتكاء على المقولات الإطلاقية لتبرير نشأة أو فعالية جنس أدبي وآخر، كما حاول أن يدافع - المحرِّر وسواه من النقاد والباحثين - عن الشعر ضد مقولة: «الرواية ديوان العرب» أو أن يطرح جنس الرواية الأدبي: «فناً مدينياً - من المدينة - بالدرجة الأولى» (ص:507). بعد الحديث عن أبوة أولى لمحمد حسين هيكل برواية: «زينب - 1914»، عبر محاولة استعادة مفهوم المدينة/ الجغرافيا المكتظة والإنسان/ السارد، حيث يعلل ما حدث لهيكل بكتابته روايته: «زينب» هناك عندما درس في لندن - بريطانيا، فيعده: «عربياً، من نسل أجداد عرفوا المدينة منذ بداياتها، وكانوا هم من خُطَّاطها الأوائل على مستوى العالم والتاريخ، كمصري (الحضارة الفرعونية) وكمسلم ( الحضارة الإسلامية ومدنيتها الرائدة ) . لهذا فقد كان دور المدينة الغربية(الأوروبية) في ظني، جرد عامل تذكيري وتنشيط فعال لذاكرة مبدع قادم من الشرق الأدنى (الوطن العربي تحديداً) لدفعه إلى كتابة روايته الأولى» (ص:507). . إذا ما تجاوزنا منازعة البداية لمحمد هيكل، غير وضع هيكل اسماً مستعاراً ولم يصرح باسمه حتى 1930 عندما تحولت الرواية فيلماً سينمائياً كما أشرنا في البداية، وجبران خليل جبران ب: «الأجنحة المتكسرة - 1914» من جهة، ومن أخرى في وجود روايات منذ نهاية القرن التاسع عشر لكاتبات من مصر عائشة التيمورية: «نتائج الأحوال - 1885» وأليس البستاني: «صائبة - 1891» (7)، كذلك محاولة بسط المحاولات الروائية، لأجل خلق فعالية روائية عربية في الثلاثينات من القرن العشرين بعد محاولات هيكل وجبران هناك في فلسطين خليل بيرس: «الوارث - 1920»، في العراق محمود أحمد السيد: «جلال خالد - 1928». سنجد في السعودية عبدالقدوس الأنصاري: «التوأمان - 1930» على أن ذلك سيتغير في المستقبل القريب (8)، في تونس علي الدوعجاني: «جولة حول حانات بحر الأبيض المتوسط - 1935»، في سوريا لشكيب الجابري: «نهم - 1937»، في لبنان لتوفيق عواد: «الرغيف - 1939» كذلك في اليمن صدرت رواية: سعيد - 1939» محمد علي لقمان، ثم من عقد الأربعينات في الجزائر - 1947 لأحمد حوحو المتنازع عليه بينها والسعودية لأنه قضى عندنا فترة من عمره، وفي السودان رواية: «تاجوج - 1949» لعثمان محمد هاشم، وفي الخمسينات تظهر الرواية المغربية: «في الطفولة - 1957» لعبدالمجيد بن جلون (ص: 28) وفي الستينات تظهر في الكويت حدود 1962. .. يرجح سبب تأخر الرواية في السعودية إلى تأخر التعليم، حيث لم تحضر حتى نهاية الخمسينات بسبب الطلبة والطالبات الذي توفرت لهم بعثات تعليمية أو على حساب ذويهم (ص: 29) أو بشكل آخر فك الانعزال الأيديولوجي نحو الانفتاح الثقافي العربي - عربي والعربي - الأجنبي.
.. يرصد المحرر خمس فترات انتاجية للجنس الروائي مؤرخة للإصدارات لا الأجيال والاتجاهات أو التيارات على النحو التالي:
- الفترة ما بين (1930 - 1960): دامجاً فيها أجيالاً من عبدالقدوس الأنصاري، حامد دمنهوري، سميرة بنت الجزيرة (سميرة خاشقجي) ومحمد زارع عقيل.
- الفترة ما بين (1960 - 1970): دامجاً فيها إبراهيم الناصر، حامد دمنهوري (تبعاً لسنة الإصدار لا العمر)، محمد عبدالله مليباري.
- الفترة ما بين (1970 - 1980): ارتفع الصوت النسائي فيها غير سميرة بنت الجزيرة، هناك هند باغفار وهدى الرشيد، ثم محمد علي حسون، غالب أبو الفرج وفؤاد عنقاوي.
- الفترة ما بين «1980 - 1990): تنوعت الاسماء بشكل عشوائي بعضها صدر لروائيين انتهت صلاحيتهم وآخرون أوجدوا بأثر رجعي أو تقادم العهد بهم (ص: 31 - 33).
- الفترة ما بين (1990 - 2002): التي استفتحها بعبدالعزيز مشري، غازي القصيبي، عبده خال، تركي الحمد، نورة الغامدي، ليلى الجهني وعبدالله التعزي (ص: 34 - 35).
- إذا عد المحرر: «الطفرة النفطية» في مرحلة أصمتت أو أرخت المشهد الشعري، مشكلة انسحابات بالوفاة أو التوقف أو الانخراط في أعمال خاصة منذ 1973 (ص:19)، فهو يراها ضاغطة في الرواية جراء تحريك: «عجلة العمران واستكمال البنى التحتية» (ص: 512)، ليوقع لها حضوراً اجتماعيا وتفاعل المجتمع داخليا معها وسماع صوتها خارجياً على المستوى العربي (ص: 512). أفسح في مختاراته فصولاَ مجتزأة، من روايات تركزت على الأجيال الروائية الأخيرة: من إبراهيم الناصر (الحميدان)، تركي الحمد، محمود تراوري، رجاء عالم وصولاً إلى نوة الغامدي، البراق الحازمي وعواض العصيمي.
سؤال المخفي: حوارات
.. كذلك الفصل الخامس، والأخير من الأنطولوجيا، يحتوي على حوارات مهمة ولازمة تركزت على مبدعين - مبدعات في الشعر والسرد: «سعد الحميدين، بدرية البشر، عبده خال، هاشم الجحدلي، حسن النعمي، محمد علي قدس، محمد الثبيتي، تركي الحمد، هدى الدغفق، إبراهيم الناصر (الحميدان)»، كذلك في النقد: «عبدالله الغذامي، محمد العباس ومحمد الحرز» ، فقد قام بها تعاوناً مع المحرر الذي كان له نصيب منها: فؤاد نصر الله، عبدالله الحسن، سوسن الأبطح، وجعفر العمران. .. يصف ذلك الإنسان - المبدع الذي أخذت حوارات معه: «بأنه محاور ذكي ومتمرس من الطراز الأول، يوزن (ربما: يزن) إجاباته بدقة وبدون تسرع أو تلكؤ، وهذا دليل على معرفته وتحكمه بأدواته جيداً» (ص: 578).
.. إن أنطولوجيا (كتبت في الغلاف: أنطلوجيا) الأدب السعودي الجديد أو الحديث (صفة العنوان في الموسوعة)، تنم عن مختارات في أدب انبثقت فعاليته في التراكم والتعدد كذلك وجب له أن يدفع للتفاعل والتواصل كما أوضحنا ذلك في البداية. ما قام به عبدالناصر مجلي (الناقد والقاص اليمني حامل الجنسية الأمريكية)، يعد مفخرة يشكر عليها، كذلك اقتراحه حري بأن يؤخذ جدياً في: «المملكة ومؤسساتها المعنية بالشأن الثقافي بأن لا تنظر إلى الموضوع بحياد أكثر من اللازم في هذا الوقت المعادي، بل يجب أن تختار طريق بشكل أوثق وأشمل كخيار استراتيجي، وكبرهان راد له على انها تقف في صف المغايرة والتحديث دون أدنى تنازلات» (ص: 38).. إن هذا الأدب، في كل عصر إنسان، هو ما سيبقى من عمران العقل البشري الذي زار هذه المنطقة وعبرها، ضمن من عبروها من أجداد أقدمين غابت أصواتهم - هن بين وديان وهضاب، قفار وأنهار، صحارى وسواحل الجزيرة العربية. حاملة بخور الذاكرة ونفط الهجرات.
هوامش:
1) سلطانات الشاشة: رائدات السينما المصرية، منى غندور، شركة رياض الريس - 2005، ص: 205.
2) أنطلوجيا الأدب السعودي الجديد، عبدالناصر مجلي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 2005، ص: 30. (كل ما سيرد داخل النص من إشارة للصفحات تقصد هذا الكتاب).
3) فن القصة في الأدب السعودي الحديث، منصور الحازمي، دار ابن سينا - 2001، ط: 3، ص: 95.
4) ثمة محوران آخران: الإنسان الفقير والطفل، موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، المجلد الرابع: القصة القصيرة، إعداد معجب الزهراني، دار المفردات - 2001، ص: 68.
5) المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 2001، ص: 68 -103.
6) تحقيق: الرواية هل تزاحم الشعر في السعودية؟، الوسط - 550، 12 أغسطس - آب 2002)، ص: 11.
7) تمرد الأنثى، نزيه أبو نضال، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- 2004، ص: 269.
8) الرواية المحلية: رؤية في مرحلة النشأة، عبدالعزيز السبيل، أبحاث الندوة الأدبية: الرواية بوصفها الأكثر حضوراً، نادي القصيم - بريدة (2003).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.