أدخل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه التاريخي في السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى رؤية مفصلية في موضوع المكابرة السياسة.والمكابرة كما يعرفها أهل الشريعة هي من يغالب الناس ويعتدي على إحدى الضرورات الخمس – دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم - مرغماً لهم بقوته وبطشه.ولذلك قال الملك في كلمته حول مسيرة التنمية المتوازنة التي يقودها لمصلحة لوطن والمواطن تتفق مع القيم الإسلامية التي تصان فيه الحقوق وهي «مطلب هام في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددين».لذا وضع الميزان لتحقيق تلك التنمية بتعاون الجميع فقال:» من حقكم علينا أن نسعى لتحقيق كل أمر فيه عزتكم وكرامتكم ومصلحتكم . ومن حقنا عليكم الرأي والمشورة وفق ضوابط الشرع وثوابت الدين ، ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر وعليه تحمل مسؤولية تلك التصرفات». ولعنا نستعرض مشهد الفوضى من حولنا أو في من حلت بهم فوضى المكابرة في فرض الرأي ومغلبة الناس فهي لم تقد إلا لأحادية الفكر وفرضه بقوة البطش وهو ما يخالف الطبيعة البشرية وسماحة الشريعة. وما دام المسعى المطروح لمصلحة الناس فمن يكابر لوقف مسيرة التنمية بحجج ضعيفة أو سد لباب ذرائع وربما بحجج واهية.ولكن تلك الحجج الواهية قد تعلو كالحق المزيف مع الغلبة والمكابرة وربما التخويف والترويع.ولهذا وضع الملك عبدالله الأصبع على جرح وربما ثغرة لم تأخذ حقها من العقوبة المشددة في التطبيق بسبب ثقافة التسامح التي تقود إلى كل عمل طيب لعل الإنسان يعود عن مكابرته أو حتى يعود مع الحق إلى رشده.ولو نظرنا إلى العقوبة في الشريعة الإسلامية لوجدنا أنها لا تكون إلا مع الإصرار والمكابرة وبذلك هي نوع من البغي الذي قد يقود إلى الهلاك. فالحق عز وجل يقول في محكم التزيل «سَأَصرِفُ عَن آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلأَرضِ بِغَيرِ ٱلحَقِّ وَإِن يَرَواْ كلَّ ءَايَةٍ لَّا يُؤمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَواْ سَبِيلَ ٱلرُّشدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَواْ سَبِيلَ ٱلغَي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً. ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنهَا غَافِلِينَ (146)-سورة الأعراف. المكابرة كما يعرفها أهل الشريعة هي من يغالب الناس ويعتدي على إحدى الضرورات الخمس – دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم - مرغماً لهم بقوته وبطشه هذه المفردة التاريخية وفي هذا الخطاب التاريخي أيضا ستفتح الباب التشريعي والقانوني لتطبيق عقوبة سلوكيات المكابرة التي قادت الكثير من عمليات التنمية إلى التراجع او الزحف والتباطؤ او حتى لعمل دؤوب من التبيان لعل الحق الذي هو أبلج ان يوقف مغالاة التكبر والتأليب.ولو استعرضنا تاريخنا الحديث لوجدنا فيه شيئا من تلك المغالاة والتكبر، ولكن ما يثلج الصدر حقيقة أننا تجاوزنا الكثير من عقبات تلك المغالاة وذيول شر المكابرة معها. ولذا أتمنى أن لا تقتصر عقوبة المغالاة التي أشار لها خادم الحرمين الشريفين من هم خارج منظومة العمل التنظيمي او التشريعي ممن يؤلب لإشعال فتيل المكابرة، وإنما أيضا تطال تلك الجيوب المتلونة داخل المنظومة البيروقراطية التي تعيق العمل التنموي بحجج وذرائع شتى.فمكابرة هذا النوع هي من النوع الخفي والذي لا ينكشف إلا بعمليات المراقبة والمتابعة والمحاسبة أيضا لتنفيذ ما يحقق مصالح المواطن والوطن.فأهلا بكل عمل وطني يقود إلى وقف كل أنواع المكابرة.ولعل العقوبة الحقيقية تكون منا كمواطنين نتحمل فيها مسؤولية العون على إحقاق الحق وتبيانه دون مكابرة أيضا ولكن مع كشف وتعرية لكل سلوك مكابر يريد بهذا الوطن وأهله أي سوء.يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه « من ساء ظنه ساءت طويته ، ومن تكبر على الناس ذلّ ومن ركب هواه زلّ».