كيف ولماذا حدثت الأزمة؟! من يقف وراءها؟! هل هي مؤامرة؟ أم حقيقة؟! تساؤلات كثيرة تشغل المهتمين بالشأن الاقتصادي بل وغير المهتمين به، فالأزمة المالية لم تقف آثارها على حدود المختصين بل تجاوزتها إلى أن لامست حياة كل شخص في شتّى بلدان العالم. فالبطالة والتضخم وتراجع الإنفاق على الخدمات ليست من الأمور الاقتصادية الدقيقة، بل خطوط عريضة لكل فرد من أفراد المجتمعات المختلفة. وبغض النظر عن الإجابة الدقيقة عن التساؤلات السابقة، فإن الأزمة قد حدثت وظهرت آثارها وعانت منها الدول والشعوب، لتبقى الأسئلة السابقة مجرد فضول أو لعلها من باب العلم بالشيء لا أكثر. تجمع لعدد من عملاء أحد البنوك المنهارة خلال الكساد الكبير إلا أن الأسئلة الأكثر إلحاحاً وأهمية في وقتنا الراهن هي: متى وكيف ستنتهي الأزمة المالية والاقتصادية العالمية؟! تشابه التفاصيل كثيرة هي التفاصيل المتشابهة بين ما يعرف بالكساد العظيم أو الكساد الكبير وبين الأزمة العالمية التي يعيش العالم حالياً بعض فصولها وللاختصار فإن الجدول المصاحب يوضح أبرز هذه التفاصيل. وبالنظر إلى التفاصيل المتعلقة بالأخطاء البشرية، فإن هذا يولد فكرة المؤامرة التي كانت ولا تزال مطروحةً حيال ما يحدث من أزمات، وأنها لم تكن لتحدث لولا قدرة الله ثم هذه الأخطاء التي يصنف بعضها على أنها متعمدة أو شبه متعمدة على أقل الأحوال. ولكن ماذا عن تشابه العوامل الطبيعية التي ليس للأخطاء البشرية دور فيها؟! هل تقلل هذه العوامل الطبيعية من الركون إلى فكرة المؤامرة لينتقل الأمر إلى فكرة الدورات الاقتصادية والطبيعية كذلك؟! ربما تكون الحقيقة الثابتة بين كل هذه التباينات، أن الدورات الاقتصادية والطبيعية أمر لا بد من حدوثه في ظل الانفجار السكاني الذي يشهده كوكبنا وما يتسبب فيه من ضغوطات كبيرة على الموارد الطبيعية المحدودة من جهة، والتغيرات المناخية من جهةٍ أخرى، بل ان القرآن الكريم أشار إلى هذه الدورات في سورة يوسف وذلك في تفسير يوسف عليه السلام لرؤيا العزيز. إلا أن هذا لا يعني إغفال هذه الحقيقة وعدم التحوط للأزمات وإغفال ما يرتكبه البشر من أخطاء. النهاية والترقب الحذر نهاية الأزمة المالية طموح يشترك فيه الساسة والأثرياء والفقراء وكل شرائح المجتمع. إلا أن هذه الطموحات لا تخلُ من الحذر، فالتفاصيل قد تتشابه حتى نهايتها بين الأزمتين، وحينها قد تتحول الآمال إلى آلام. فالكساد الكبير يكاد يجمع المحللون الاقتصاديون على أنه قد أتى كآثار لاحقة للحرب العالمية الأولى، ليتسبب في حربٍ عالميةٍ ثانية، إلا أن الحرب العالمية الثانية كانت هي (الداء والدواء)، فبقدر ما كانت هذه الحرب نتيجة لهذه الأزمة، إلا أنها أتت كعلاج لها. فلم تخرج الاقتصاديات العظمى من حالة الكساد، إلا مع التحضير لهذه الحرب، حيث ساهم الإنفاق على التسلح في تنشيط الاقتصاديات ووفر الكثير من الوظائف في الجيوش ومصانع السلاح وما يتعلق بها. كل هذا يقود إلى التساؤل الأهم: هل ستنتهي الأزمة بالظروف ذاتها؟ أم أن تشابه التفاصيل سيقف عند هذه الحدود؟ خصوصاً أن بعض مناطق العالم تشهد تصعيداً سياسياً لبعض الملفات الساخنة والتي يختلف حولها الرأي بين أقطاب القوى الاقتصادية والسياسية. متغيرات قد تقلل من المخاوف خلال الفترة التي تفصل فترة الكساد الكبير عن الأزمة الحالية والتي تربو عن السبعين عاماً حدث الكثير من التغيرات على المستوى الاقتصادي والذي أفرزه التقدم العلمي الكبير الذي شهده العالم، فالتنافس على الموارد وبالرغم من بقائه الأزلي، إلا أنه قد شهد الكثير من التراجع في ظل الثورة العلمية التي حدثت، فالاقتصاديات التي كانت تعتمد بشكلٍ كبير على تكامل الموارد الطبيعية، لم تعد بحاجة للقدر ذاته من التكامل في ظل ظهور الصناعات التحويلية وتطورها بشكل متسارع. هذا ما قد يقلل من المخاوف، إلا أن الترقب الحذر لتوقيت نهاية الأزمة وطبيعة هذه النهاية سيظل حتى تظهر معطياتها على أرض الواقع.