ترامب: لن ندعم أوكرانيا بقوات برية لكن ربما بسلاح الجو    استعداد أميركي - أوروبي- أوكراني لإنهاء الحرب    التهديد بإسقاط حكومة نتنياهو إذا قَبِل بالصفقة    إيزاك : نيوكاسل نكث بوعده والعلاقة بيينا لا يمكن أن تستمر    في يوم جياد إسطبل أبناء الملك عبدالله.. سبعة انتصارات مدعمة بأربعة كؤوس    بالأرقام جيسوس يواصل اكتساح الاتحاد    الزمن الجميل    نائب أمير جازان يكرم المصورين المتعاونين في مبادرة "هذه جازان"    «الموسيقى».. روائع الأوركسترا مرة أخرى في باريس    الأطفال يستكشفون جماليات التراث السعودي    اضطراب حرارة الجسم الخطير    ضبط باكستانيين في الرياض لترويجهما "الشبو"    باكستان تستعيد 70% من الكهرباء بعد فيضانات مدمرة    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    43 مليون عملية عبر أبشر في يوليو    فحص اللياقة المدرسي عبر صحتي    528.7 مليار ريال مشروعات السعودية الإغاثية في 173 دولة    ولي العهد يؤكد لبوتين دعم المملكة لحل الخلافات الدولية عبر الحوار الدبلوماسي    مجلس الوزراء يوافق على نظام الحرف والصناعات اليدوية    «الشؤون الإسلامية» بمكة المكرمة تختتم الدورات الصيفية القرآنية لعام 1447ه بإقامة 3941 حلقة قرآنية    الجبيل الصناعية تدير أكبر شبكة ري ذكية في العالم    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10881.71) نقطة    الرياض تستضيف المؤتمر العالمي لإنترنت الأشياء 2025    مدير عام الشؤون الإسلامية في منطقة جازان يتفقد مساجد العارضة    نيابة عن الملك.. نائب أمير مكة يحضر غدا حفل مسابقة الملك عبد العزيز للقرآن    أمير حائل يستقبل رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية للعناية بالمساجد    تعليم الطائف يعقد لقاءً افتراضيًا مع قادة المدارس تحت شعار "تعليمنا قيم"    حرس الحدود: تأكد من جاهزية الوسائط البحرية قبل الإبحار    نجاح أول عملية لزراعة أصغر دعامة لعلاج الجلوكوما في مستشفى الجبر للعيون بالأحساء    90% من العلاقات التعويضية تفشل خلال السنة الأولى    امانة القصيم تعزز أنسنة المدن عبر مبادرة أرض القصيم الخضراء    جامعة الطائف توقع شراكة مع شمعة للتوحد لتأهيل الكوادر    مركز الملك عبدالله التخصصي للأذن بالمدينة الطبية بجامعة الملك سعود يُجري أول عملية زراعة قوقعة باستخدام اليد الروبوتية    سبب ايقاف انتقال دينيس زكريا إلى الأهلي    الاستقرار الاجتماعي «إذا كنت في نعمة فارعها»    المعلمون صناع النهضة وحصون للعقول وحماة للأوطان    استقرار اسعار الذهب    تفشي عدوى منقولة بالغذاء في فرنسا    ضبط مواطنًا لإشعاله النار في غير الأماكن المخصصة لها بمنطقة عسير    رئيس وزراء فلسطين من أمام معبر رفح: لجنة مؤقتة لإدارة غزة قريباً    أصوات شبابية تضيء ليالي الباحة    في افتتاح كأس السوبر بهونغ كونغ.. صراع بين النصر والاتحاد لخطف أولى بطاقتي النهائي    التحدي    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. الفريق الفرنسي Karmine Corp يحصد لقب Rocket League    تعقد خلال الأيام المقبلة.. جولة مفاوضات جديدة بين إيران والوكالة الذرية    نصيحة من ذهب    منها اشتراطات تصريح العروض الترفيهية.. استطلاع: طرح 67 مشروعاً مع جهات حكومية لإبداء الرأي    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    طاولة مستديرة في الرياض لتعزيز الشراكة.. اتفاقية سعودية سورية لحماية وتشجيع الاستثمارات    شدد على أهمية التزام إسرائيل بخطوة موازية.. براك: نزع سلاح حزب الله خطوة باتجاه الاستقرار    دراسة: المروحة تضاعف مخاطر القلب في الصيف    أمير حائل يستقبل مدير مكافحة المخدرات    في تتويج لمسيرته الرياضية "الراجحي" يترقى إلى الحزام الأسود دان 5    استعراض سير عمل المنشآت الصحية أمام أمير تبوك    أمير جازان.. رؤية تلامس الواقع وإنسانية تحاكي القلوب    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض التعليم العالي وروايتان
نشر في الرياض يوم 06 - 02 - 2010

تداولت المنتديات بالمواقع الإلكترونية مؤخرا روايتين حول واقعة واحدة، ولكن بملامح مختلفة؛ اختزلتا في طياتهما واقع الصراع بين التيارين (المتشدد) و(الليبرالي) بالمملكة على الساحة الإعلامية؛ من حيث الرؤية والمآرب والأهداف وأساليب التعاطي مع المستجدات بحياتنا اليومية.
فصيغت الرواية الأولى في قالب ضيق يدعوك للاختناق؛ وأبطالها مجموعة من الشبان "الأُسُود" الذين قادتهم غيرتهم على دينهم إلى معرض التعليم العالي؛ بعد ماوردت إليهم أنباء الانحلال والانحطاط الأخلاقي هناك؛ وهذا ما لا يمكن السكوت عنه؛ فنساء متبرجات متغنجات منهن من "كشفن عن أجزاء من أجسادهن" يتجولن بين ردهات المعرض في "اختلاط سافر" بين الجنسين و"الضحكات في كل زاوية من زواياه".. وأصوات الموسيقى تصدح في جنباته أثناء وقت الصلاة.."ولدفع النقمة التي حلت بالمجتمع" شمّر هؤلاء "الشبان المحتسبون" عن سواعدهم وقاموا بمناصحة المخالفين "باللين والموعظة الحسنة" فاصطدموا بإدارة المعرض فكان الحبس والمهانة مصيرا لهم بنهاية المطاف.
وأما الرواية الثانية فكانت في قالب واسع يجرك إلى الضياع والتيه؛ وكان بطلها قد تلقّى الرواية السابقة فقاده فضوله للتحقق والبحث عن اليقين؛ فلم يجد هناك إلا العلم والمعرفة والفضيلة؛ فكانت الأمور على خير ما يرام وفي بيئة مثالية لا تشوبها شائبة، حيث لا وجود هناك إلا لأبناء وبنات الوطن الحريصين على مستقبلهم ورفعة أمتهم، فلا مجال للغزل والمعاكسات؛ فرجال الأمن والمنظمون يؤدون عملهم على أكمل وجه؛ في حين لو كانت الهيئة موجودة "لكان الفشل مصير هذا الحدث العلمي العالمي!" .. وخُتمت الرواية بأنه عند تحقيق –الباحث عن اليقين- في قضية "الشبان" –السابق ذكرهم- خلص إلى أنهم لم يكونوا سوى "مراهقين متشددين ومخربين!".
قد تكون إحدى الروايتين تمثلان واقع ما حصل؛ وكذلك واقع معرض التعليم العالي بصفة عامة، ولكن من خلال ما شاهدته خلال زيارتي لفعاليات اليوم الأول من المعرض، ووفقا لما تم نقله لي عبر عدد من زواره، فإن هناك مبالغة صارخة كانت نتاجا للنظر إلى المعرض وما حصل فيه بعين واحدة تقودها توجهاتها وميولها إلى "الانتباه الانتقائي" وبالتالي رسم الواقعة بما يتوافق معها.
فبخصوص أصوات المعازف والأغاني فلم يكن لها أي وجود، بل على العكس من ذلك تماما، فعندما كنت حيث تتواجد أجنحة الجامعات السعودية إنساب إلى مسامعي آيات من الذكر الحكيم؛ حيث كان صوت القارئ يجمّل جناح جامعة أم القرى، وبشأن الاختلاط وما قد يحصل بين بني الجنسين فكان يحصل خلاله ما قد يحصل في أي مكان عام يعج بالشباب والفتيات، فهناك الملتزمون ويقابلهم المنتهزون.
ولن أخوض في مزيد من التفاصيل للمقارنات بين الروايتين، فمنكم من زار المعرض، ومنكم من سمع عنه، ولكم أن تقارنوا بين الروايتين كما يطيب لكم.
لا شك أن مجتمعنا يعيش تحت وطأة تيارين متضادين يكاد أن يئن تحتهما، فما أن تأتي قضية تستجد حتى يأتي دعاة التيارين إلى نقلها ووصفها والحكم عليها من خلال وجهة نظر أحادية، يدعي فيها كلاهما الصواب، وبطريقة لا تخلو من إقصاء الطرف المقابل.
وقد جرت العادة في أن كل من أراد بث توجهاته وأفكاره لإقناع الناس بها؛ نجده يلجأ للإعلام وبحوزته ألوان وصنوف من الأساليب لتحقيق غايته المتمثلة في التأثير على الرأي العام، ولهذا فإن هناك العديد من دعاة التيارين الذين سخروا أقلامهم وإطلالاتهم ليبثوا دعواتهم وآراءهم عبر الصحف والقنوات الفضائية والإنترنت في سبيل الإقناع للميل إليهم والإعراض عن قبيلهم، ولا تستغرب عندما تجد الاستماتة من قبل أحدهم في ذوده عن قضيته.
كما أنه لا يخفى علينا أن دعاة التيارين دائما ما يتخذون من "الحرية" ذريعة لهم ينطلقون منها لإلقاء حججهم وردودهم واقصاءاتهم جزافا لمخالفي آرائهم وميولهم، وبما أن غالب تلك المشاهد كانت على الساحة الإعلامية –كما ذُكر آنفا-، فلننظر إلى مصطلح (الحرية الإعلامية) بعين باحثة، فعندما نعود إلى عصر النهضة الأوروبية الذي كان نتاجا لتحدي الأفكار والمبادئ السلطوية التي صادرت حرية التعبير في القرون المظلمة بأوروبا، ظهرت نظرية "الحرية" أو "الليبرالية" كما أطلق عليها الباحثون بمجال الإعلام السياسي في محاولة منهم لوصف العلاقة بين الصحيفة والسلطة، وكانت هذه النظرية تضمن للصحيفة حريتها؛ بحيث إن " للصحيفة حرية النشر، بأي شكل كان، ومن قبل أي شخص، مهما كان اتجاهه الفكري، فذلك حق من الحقوق الطبيعية لجميع البشر، ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر". - وفقا للمفكر الإنجليزي جون ميلتون عام 1664م-.
ولم تنتصر الحرية على السلطوية إلا بمنتصف القرن التاسع عشر حيث بدأت ملامح الحرية تظهر بشكل جلي وواضح على الصحف بأمريكا وبريطانيا في العام 1866م، وكان من أبرز معايير تلك النظرية التي حددتها الأفكار الليبرالية أنه لابد من تقديم كل أنواع المعلومات، والأفكار للجمهور، وأن النقد الحر ضرورة، لتحقيق رفاهية وتقدم المجتمع.
ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ في العقد الثاني من القرن العشرين بدأت المراجعات النقدية لنظرية الحرية، وكانت من أبرز الانتقادات التي وجهت لها – وفقا للدكتور محمد جاسم الموسوي أستاذ الإعلام بالأكاديمية العربية في الدنمرك- "أن وسائل الإعلام في ظل تلك النظرية عرضت الأخلاق العامة للخطر، وأصبحت تقتحم خصوصيات الأفراد تحت غطائها، وباتت تبالغ بالأمور السطحية والتافهة من أجل الإثارة وتحقيق الأرباح".
وفي عام 1947م أعدت لجنة حرية الصحافة في الولايات المتحدة كتابا كان بعنوان "صحافة حرة مسؤولة" انبثقت عنه توصيات تعنى بها المؤسسات الصحفية والصحفيين والحكومة أيضا، مؤكدة على أن من واجب الصحافة تحقيق مصلحة المجتمع؛ وتمخض عن تلك التوصيات مضمون نظرية "المسؤولية الاجتماعية"، ومن مبادئها الأساسية التي حددها الصحفي السويدي (دينيس ماكويل) أن على الصحافة تنفيذ التزامات معينة تجاه المجتمع، وأن تلتزم بالدقة والموضوعية والمهنية في العمل الصحفي، وعليها أن تتجنب ما يمكن أن يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية، وأن تدخل الحكومة يكون مبررا لتحقيق المصلحة العامة..إلخ.
ومن هنا يمكننا أن نقول بأن "المسؤولية الاجتماعية" ظهرت كرد فعل على "الحرية" التي أدت إلى الفوضى المجتمعية، حيث كان لا بد من وسيلة لتقنين تلك الحرية بهدف حماية المجتمع ورفع مصلحته فوق كل اعتبار، ففي الظروف المثالية داخل إطار النظرية يكون المجتمع بطريقة غير مباشرة هو المتحكم بالمحتوى الإعلامي، فهو يعلم ما له وما عليه، ولديه القدرة على وضع حد لبث الأفكار الرامية إلى تحقيق مصلحة خاصة تعود بالنفع على الكاتب أو المتحدث أو (جماعات المصالح) يدفع ثمنها المتلقي الذي سينتهي به الأمر إلى التشتت ورؤية الواقع بضبابية ليجد نفسه مرميا في غياهب الخوف والقلق.
وعودا إلى الظهور الإعلامي سواء عبر الصحف أو الفضائيات لدعاة التحرر أو التشدد؛ فإن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو حول الدافع الذي يدعو ذلك المستميت في الدفاع عن ميوله وآرائه؛ فهل كل تلك الكتابات والحرص على الظهور عبر الفضائيات كان خالصا لوجه الله تعالى ولم يخالطه مزيج من الأهداف لتحقيق المصالح وحب الذات والبحث عن بريق الشهرة؛ حتى وصل به ذلك إلى مرحلة ضرب فيها مصلحة القارئ والمجتمع عرض الحائط؟.
ومضة:
من المقترحات والتوصيات التي خرج بها الباحثون في المجالات السياسية والاجتماعية والإعلامية دعت إلى تقريب وجهات النظر بين التيارين المتضادين في المشهد السعودي، ومن هذا المنطلق عقد اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري والذي كان بعنوان "الغلو والاعتدال..رؤية منهجية شاملة" في الفترة من 4-8 ذي القعدة 1424ه الموافق 27-31 ديسمبر 2003م، وكان من توصياته التأكيد على التوازن في الطرح الإعلامي لقضايا الدين والوطن ووضع منهجيه علمية لذلك والبعد عما يثير الفرقة والشبهات ومراعاة التنوع الفكري والمذهبي، وترسيخ مفاهيم الحوار في المجتمع السعودي وتربية الأجيال في المدارس والجامعات على ذلك، لا شك أن تلك حلول مثالية، ولكن هل تم تطبيقها على أرض الواقع؟ أو بشكل أدق؛ هل بالإمكان ذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.