يشهد العالم اليوم لحظة بالغة التحول؛ لحظة تتغير فيها نماذج الاقتصاد، وتعيد فيها التكنولوجيا تعريف طبيعة العمل، وتتقدم فيها الفنون والثقافة والابتكار لتصبح أدوات للتأثير وصناعة الوعي. وفي خضم هذه التحولات، تبدو الحاجة ملحة إلى منصات تعيد تموضع الشباب في قلب المشهد، لا باعتبارهم جمهورًا ينتظر التوجيه، بل قوة فاعلة تُسهم في صياغة الطريق الجديد للعالم. ومن هنا، يبرز منتدى مسك العالمي 2025 كأحد النماذج الأكثر تطورًا في المنطقة، بل ربما عالميًا، في فهم هذا التغيير والاستجابة له. فالمنتدى في نسخته الجديدة لم يعد فعالية سنوية تُزار، بل تحول إلى منصة مستمرة تعمل على مدار العام، يصنع الشباب محتواها، ويقودون مساراتها، ويشاركون في وضع أولوياتها. هذا التحول الجذري لا يعكس مجرد تطوير تنظيمي، بل يمثل نقلة في فلسفة تمكين الشباب نفسها؛ فلسفة تعترف بأن الأجيال الصاعدة لا تحتاج فقط إلى مساحة للحوارات، بل إلى بيئة حقيقية يختبرون فيها قدراتهم، ويكتشفون مهارات جديدة، ويشاركون مباشرة في صنع القرار. مما يميز نسخة 2025 هو تركيزها على تعليم المهارات التطبيقية في ستة محاور هي اليوم لغة العصر: الفنون والثقافة، الريادة الاجتماعية، التقنيات الناشئة، المشاركة العالمية، الرياضة وجودة الحياة، والاستدامة. هذه المجالات لم تُختَر عشوائيًا، بل تُجسد الاتجاهات التي سيقوم عليها الاقتصاد العالمي، وتعكس إدراكًا بأن المستقبل ليس وظيفة تقليدية، بل مجموعة مهارات مركبة تمتد من التقنية إلى الإبداع، ومن الوعي البيئي إلى الصحة والرفاه، ومن التفكير المحلي إلى التعاون الدولي. ويحظى المنتدى بميزة أخرى لا تقل أهمية، وهي منظومة الشراكات التي تجمع القطاعين الحكومي والخاص مع القطاع غير الربحي، لتشكل بيئة تمكين شاملة. هذا النموذج التكاملي يُعد واحدًا من أهم ملامح رؤية 2030، إذ يربط الشباب بالفرص، ويمنحهم أدوات التنفيذ، ويضمن استدامة المبادرات التي يطلقونها. ففي الماضي، كان كثير من المشاريع الشبابية ينهار بمجرد انتهاء الحدث أو الموسم؛ لكن مع هذا الإطار الجديد، تتحول الأفكار إلى برامج قابلة للنمو والتأثير. وعند دراسة التجارب العالمية في تمكين الشباب، نجد أن معظمها يعاني من فجوة واضحة بين الحوار والتنفيذ، بين الطموح والواقع. بينما يحاول منتدى مسك العالمي سد هذه الفجوة من خلال مساحات تفاعلية تمنح الشباب تجربة مباشرة: المسرح الذي يستضيف صُناع التغيير، والمجلس الذي يفتح حوارًا صريحًا مع صُناع القرار، ومختبر المهارات الذي يحول المعرفة إلى ممارسة عملية. هذه المساحات تُترجم شعار المنتدى من كلمات إلى فعل، وتحوّل المشاركين من متفرجين إلى فاعلين حقيقيين. ما يقدمه المنتدى هذا العام يتجاوز مجرد تمكين فردي، ليصل إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي تجاه دور الشباب في التنمية. فمنصة تمتد على مدار العام، وتبني قدرات الشباب في مجالات حيوية، وتربطهم بشبكات دولية، وتدعم مبادراتهم بالشراكات، هي منصة تُعد جيلًا قادرًا على قيادة التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة والعالم. في النهاية، ليس منتدى مسك العالمي 2025 مجرد فعالية شبابية، بل هو مشروع إستراتيجي ينسجم مع رؤية وطنية تعتبر الإنسان ثروة المستقبل. إنه إعلان واضح أن الشباب ليسوا مستقبل المملكة فحسب، بل صُناع حاضرها. ومن خلال هذه النسخة المتجددة، يرسل المنتدى رسالة مفادها أن تمكين الشباب لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية وعالمية، وأن الاستثمار الحقيقي يبدأ حين نمنحهم المنصة ليكونوا جزءًا من صناعة الأثر.