لابد أن أقول إنني أشعر بالتفاؤل في شهر رمضان، وقد إزداد تفاؤلي هذا العام عندما أعلنت القرارات التنموية المهمة التي اتخذها مجلس الوزراء في جلستيه الأخيرتين، فقد كانت البداية عندما تم ترفيع بلدية الأحساء والطائف إلى أمانتين، وقد كنا كتبنا قبل سنوات في هذه الجريدة الغراء عن أهمية القيام بهذه الخطوة، (يمكن الرجوع إلى مقال) لكون المحافظتين أقرب إلى المناطق منها إلى المدن، وترفيعهما إلى أمانتين يعني بالدرجة الأولى إحداث حراك تنموي متوازن على مستوى المملكة. والقرار الثاني بإنشاء أربع جامعات جديدة في محافظات مختلفة في المملكة ثلاث منها (الخرج والمجمعة) وتحتاج فعلا إلى إحداث تنمية كبيرة سيكون لإنشاء الجامعات مساهمة فاعلة فيها، فقد شاهدت هذا التأثير في المدن التي زرتها مثل الجوف، وحائل، والباحة، وكلها حديثة عهد بإنشاء جامعات، فقد تشكل مفهوم تنموي جديد قائم على وجود الجامعة وفي هذا صالح للبلاد والعباد، فكما نعرف أن كثيرا من المدن الأمريكية قائم فقط على وجود جامعة فيها، ومع ذلك يجب أن نؤكد أننا بحاجة إلى تشجيع الجامعات الجديدة ودفعها لاستقطاب طلاب من خارج مناطقها (وإن كانت تهدف إلى خدمة المنطقة بالدرجة الأولى) فنحن لا نريد أن تكون هناك عزلة مناطقية فقد كانت حركة انتقال الطلاب بين المناطق جزء من تعزيز الاندماج الوطني، وبناء الهوية الوطنية ولا نريد للجامعات الجديدة أن تحدث تأثيرا معاكسا، ومع ذلك فأنني أريد أن أتفاءل ويحق لي ذلك، فالهدف نبيل وإن شاء الله يكون التطبيق أنبل. ولعلي ابدأ من كون هذه القرارات مرتبطة بشهر رمضان الذي هو مدرسة في الحياة ومدرسة في التنمية، فهو يعلمنا الصبر والقناعة والاكتفاء بالقليل وبالشعور بالآخر، وكلها عناصر أساسية في التنمية، التي تعتمد على الاقتصاد في كل شيء خصوصا التوزيع العادل للثروة الذي يصنع مجالات تنموية تحيي المناطق النائية، فنحن نريد لبلادنا كلها (شماليها وجنوبيها، شرقيها وغربيها ووسطها) الحياة والنمو، لكننا نريد كذلك أن يكون هناك إندماج اجتماعي وثقافي بين كل هذه المناطق ولا يوجد هناك أفظل من الجامعات لتحقيق هذا الهدف. ولعلي هنا أعود لثقافة الصبر التي يحثنا عليها رمضان للتفكير في معاناة الجامعات الجديدة في استقطاب أعضاء هيئة التدريس، الذين تعودوا على الحياة الحضرية المعقدة في المدن الكبرى، ولن أقول لأعضاء هيئة التدريس عليكم بالصبر وتحملوا المسؤولية، فليس لهذه الجامعات إلا أنتم ولكني أقول أننا بحاجة إلى مراجعة شاملة لفكرة إنشاء الجامعات الجديدة، فمن الضروري أن ننشئ جامعات لكن من المهم جدا أن نفكر كيف نشغلها بجودة عالية. نحن فعلا أمام مشكلة كبيرة لكنها بحاجة إلى دراسة للبيئة العمرانية والاجتماعية للجامعات الجديدة ليس فقط من خلال بناء المدن الجامعية، بل من خلال البيئة المجتمعية المكتملة الخدمات، فأحد أسباب إحجام هيئة التدريس من الذهاب إلى الجامعات الجديدة هو عدم وجود خدمات تعليمية متطورة للأبناء (رغم المغريات المادية التي أقرتها الحكومة مؤخرا لمن يذهب لتلك الجامعات) لذلك فأنني اقترح أن يلحق بكل جامعة جديدة مجمع تعليمي متطور لكل المراحل التعليمية ولكلا الجنسين تكون الجامعة مسؤولة عنه مسؤولية كاملة. ويبدو أن الأمر مرتبط بشكل كبير باقتصاديات المدن الجامعية، أي أننا بحاجة إلى التفكير بشكل جاد في تأثير هذه الجامعات في المدن التي نشأت وستنشأ فيها، وكيف ستستجيب هذه المدن لوجود الجامعات، وكيف يمكن أن يتكون داخلها حراك اقتصادي يحول تلك المدن إلى حواضر اقتصادية. يبدو أن هذا البعد لم يفكر فيه بشكل جيد أو لنقل أنه لم يخطط له بشكل ممنهج وواضج يسمح بالمتابعة والمراجعة بل ترك بشكل عفوي، إذ إن المتوقع أن تنمو اقتصاديات حول الجامعة لكن متى وكيف ومن سيقوم بهذا الدور؟ كل هذا علمه عند الله. والحقيقة أنه يصعب تصور أن تكون الجامعات عبئا دائما على الدولة من دون أن تشكل هذه المؤسسات مصدر دخل مستقبلي بشكل مباشر، (من خلال ما تنتجه الجامعات)، أو بشكل غير مباشر، (من خلال ما تحدثه الجامعات من حراك تنموي في محيطها العمراني)، ولأن المساهمة المباشرة مستبعدة في الوقت الراهن، وقد تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تتحقق فعلا لذلك فإن تركيزنا على التأثير العمراني/الاقتصادي للجامعات الجديدة يجب أن يكون جزء من إستراتيجيتنا لهذه الجامعات. أذكر قبل عقدين أن الاستراتيجية العمرانية للمملكة كانت تحث على إحداث حراك تنموي/صناعي عبر تشكيل محور شمالي/جنوبي يوازي المحور الشرقي/الغربي من خلال بناء مدينة صناعية عملاقة وفي اعتقادي أن وجود الجامعات الجديدة التي تشكل معظمها محور تعليمي شمالي/جنوبي سوف يساعد على تحقيق هذه الفكرة التنموية العملاقة. ما زلت أقول إن الجامعة لوحدها لا تكفي لاحداث التنمية المطلوبة لكنها تمثل الخطوة الاساسية التي يمكن بناء إستراتيجية تنموية حولها. اتحاد التعليم بالاقتصاد (الصناعي على وجه الخصوص) هو الخلاص الوحيد الذي يجب أن نتجه له، نحن بحاجة إلى التقنيين المتعلمين تعليما عاليا من أجل تحقيق هذا الهدف، وستتيح الجامعات الجديدة هذا، لكننا نحتاج أن نبدأ فعلا بتأسيس الواحات الصناعية التي تستقطب خريجي الجامعات (مع يقيني أن منهج التعليم وتخصصاته سوف يستجيب لطلبات هذه الواحات الصناعية)، فنحن لا نريد أن تتشكل الجامعات الجديدة على ثقافة وتقاليد لا ترتبط بسوق العمل ونبحث عن حلول بعد أن تقع الفأس في الرأس وتتشكل أقسام لا قيمة لها، بل يجب أن نشكل الجامعات الجديدة بأكملها لتواكب سوق العمل وبتخصصات تعزز الاقتصاد لا تكون عبئا عليه. أنا مع ربط الجامعة بمؤسسات صناعية من البداية، فمثلا المدينة الاقتصادية في حائل يجب أن تحتوي جامعة حائل، أو على الأقل يجب أن تكون الجامعة جزءا من هذه المدينة ويمكن تكرار هذه الفكرة في باقي المدن الأخرى، ولا أعني أن نقوم ببناء مدينة اقتتصادية مع كل جامعة، ولكن يمكن إعادة هيكلة المدن الصناعية القائمة واستحداث مدن أخرى لتكون جزءا الجامعة أو تكون الجامعة جزء منها.