انتبهوا أيها السادة.. ها نحن نصل - بسرعة الصوت - إلى الزمن الذي انطبق فيه مثَل (كبِّب وليِّس.. يطلع كوِّيس).! ولا ينبريَّن لي (متعجل)، فينصب لي مشنقة التشهير بأنني أدخل تراثاً (مصرياً) في (أمثالنا العامية)، فيكون بذلك قد (خطف الكبابة من فم القدر).! وللعلم فإن هذا (المثَل) شديد الالتصاق ببيئتنا (بيئة الحجر والطين) التي شيدت حضارة لم تعترها عوامل التعرية.. ويصح أن يكون هذا (المثل) كلاماً سائراً مشاعاً بين عموم العوام، فلا يُحتجّ بكلمة (كويِّس) على أنها مصرية، فربما كان منشؤها (الكوسة) العربية، المتفشية فوق كل أرض، وتحت كل سماء.. ولم تعد تخصصاً لبعض العرب دون سواهم.! وعودوا بنا إلى (التكبيب) و(التلييس) وهو ما يوصف بهما أي عمل مرتجل، يؤديه صاحبه بلا جهد ولا اهتمام ينصرف بعده إلى غيره فينال بلا وجه حق (مغانم كثيرة) كان غيره أولى بها منه.! انظروا - مثلاً - إلى هذا الموظف المستجد، الذي يأتي متحمساً باذلاً أقصى الجهد يجد في هذا (التخت الشرقي الوظيفي) من يُحبطه بعبارات ساخرة ومهينة. فهذا يقول: - "شوفوا الأخ.. يبغى يجيب راس كليب".! وآخر يقول: - "جا يُطل.. وغلب الكُل".! أو: - "تبغى ياكل اللوز مقشر؟.! كان غيرك اشطر".! و إلى ما هنالك من عبارات جمعيّات المحبطين والمُحبطات.. وأدناهم سخرية وأقلهم استهزاءً - وهم كثر- من يقول: - "ارحمء نفسك.. ولا تتعب نفسك.. هنا اللي يشتغل واللي ما يشتغل واحد".! @ @ @ @ غاب الثواب والعقاب.. وتحولت الوظيفة إلى (تكيَّة) عند بعض شاغليها، وغدت (عبئاً ثقيلاً) يرزح تحت وطأته البعض الآخر ممن يعلق عليهم (الكسائي) أوزار مسؤولياتهم.! ولا يقتصر (التكبيب) و(التلييس) على الموظفين في الأرض، بل يتعداهم إلى ما عداهم من تجَّار البضائع، وأرباب المهن و(الصنائع).. يتموَّهون كما (الزيبق) وصاحبه (الشهير) السيد علي، يوم كانت صنعة (الشطَّار) دارجة.. وسوق الزيف والتدليس رائجة.! كان المثَل (القديم) يقول: (أعط الخبَّاز خبزه.. لو أكل نُصُّه).! اليوم ما عاد (الخبَّاز) يكتفي بالنص أو القُرص.. ولا تُشبعه (الكتف) فيغرس أنيابه في سائر جسد المستضعفين في الأرض.. ابحثوا عن الضمير (المستتر) الذي تقديره (أنا) و(أنت) و(هو) و(هي).. فإن كان نائماً فأيقظوه قبل أن يموت ميتة كبرى، ونقف جميعاً في صف (العزاء) نترحَّم على زمن (المروءة).!