التكريم حين يأتي من الدول الكبيرة في تاريخها وعراقتها وحضارتها فإنه يتجاوز الفعل الاحتفائي العابر؛ ليغدو ممارسة ثقافية تحمل في دلالاتها مضامين إنسانية وحضارية عالية، لا ينحصر أثرها على من تم تكريمهم بقدر ما يُعمّق القيمة المعنوية لمعنى التكريم والاحتفاء بالعقول وبالمنجزات على اختلاف وتنوّع حقولها. وحين الحديث عن التكريم بدلالته الأعمق والأهم يبرز لنا وسام المؤسس العبقري، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- هذا الوسام الذي لا يلفت بقيمته الرمزية والمادية فقط؛ وإنما بتواتره وانتظامه بهذا الشكل الحضاري الذي يجسّد حضارة تُحسِن توقيت منح هذا الوسام، وتقدير المنجزين، والاحتفاء بقيمة ما يقدمون ويضيفون للوطن باعتباره المحفز الأول، وكذلك الحاضن للمواهب والكفاءات والقدرات النوعية الفارقة. فبين فترةٍ وأخرى، يعود الوسام إلى الواجهة، لا ليكرّم أشخاصاً فحسب، بل ليؤكد أن الحراك الوطني حيّ، وأن منجز العقل والعمل لا يغيب عن عين الدولة، وأن الثقافة حين تُدار بوعي تصبح جزءاً من منظومة البناء الحضاري. وغنيّ عن القول إن وسام المؤسس يحمل دلالة رمزية باعتباره اعترافاً وتقديراً واحتفاءً بالعطاء الذي يتجاوز الفرد إلى الأثر، وبالإنجاز الذي لا يكتفي بالنجاح، بل يترك خلفه أثراً طيباً نافعاً ومستداماً؛ ما يعني أنه شهادة ثقة تقول إن العمل حين يُنجز بإخلاص، يصبح جزءاً من الحكاية الوطنية، لا سطرًا عابراً في سيرة شخصية، وقد حظيت أسماء وطنية عديدة بهذا الفخر والاعتزاز ودُوّنت أسماءها في سجلّات الخلود. ثقافياً؛ فإن الوسام يرسّخ حقيقة غاية في الأهمية؛ وهي أن العطاء والبناء والفعل الخلاق ليس محصوراً فيما تعمله السواعد؛ وإنما في الاحتفاء بالعقل، والفكرة، والإسهام الثقافي والحضاري هو الذي يصون الهوية ويعمقها ويجذّرها. وإنسانياً يمثّل الوسام التكريم الحقيقي للقيم التي تتشاركها البشرية جمعاء، منها: الإيثار، والرحمة، والعمل من أجل خيرٍ عام، فحين يُمنح، فإنه يبعث رسالة واضحة مفادها أن الإنسان حيثما كان أثره نافعًا هو موضع التقدير.