شكّلت انطلاقة الثقافة بزخمها الكبير واللافت مؤخراً، حدثاً حضارياً واجتماعياً ووجودياً خليقاً بالإكبار والإعجاب؛ ذلك أن التأسيس الحقيقي الذي تعيشه الثقافة حالياً نجح في إعادة موضعة الثقافة في مكانها الصحيح؛ ما يعني أن النظرة لها اتّسمت بتقدير حقيقي لدورها في البنى الاجتماعية والحضارية باعتبارها قوة حقيقية قادرة على إحداث تغييرات جوهرية في التفكير والعادات والممارسات كما يراها عالِم الإناسة الاجتماعي تايلور الذي يرى الثقافة توليفة من المعارف والممارسات والفنون المجتمعية، وأنها تملك رأس مال رمزياً خطيراً قادراً على خلق أثر مجتمعي خلاق في عالم أصبحت الثقافة من مفاعيل وجوده الرئيسة والقادرة على صنع فارق نوعي خاص. ولأن المملكة ذات زخم وجودي وتاريخي وحضاري ثرّ وثريّ؛ فلا غرو أن تولي القيادة الراشدة لها هذا الاهتمام والحفاوة؛ وقد تجسّد هذا الاحتفاء في الإنفاق والسخاء المادي والمعنوي اللذين تحظى بهما ليعيناها على ترسيخ قيمة ومكانة المملكة كما هو جدير بها وبما يمثله موقعها الجيوسياسي المهم. من هنا فإن رعاية سمو ولي العهد للحفل الختامي لمبادرة "الجوائز الثقافية الوطنية" التي تنظمها وزارة الثقافة، في 19 من أبريل الجاري تعد حدثاً ثقافياً مهماً، حيث سيشهد تكريماً لمبدعي الثقافة في بلادنا من الروّاد والشباب. ولا شك أنها رعاية تعكس قيمة الثقافة والمثقفين التي يوليها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين في ظل رؤية المملكة 2030 التي أعْلَت من قيمة الثقافة ومنحتها مكانتها الرفيعة بوصفها من مقوّمات جودة الحياة، ومن العناصر الرئيسة المكوّنة للهوية الوطنية؛ وكما عبر عنها سمو وزير الثقافة بأن وزارة الثقافة تهدف من هذا التكريم إلى توفير مسارات تكريمية ثابتة للمنجز الثقافي في المملكة، والاحتفاء بإنجازات صُنّاع الإبداع السعوديين سواء الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات في القطاعات الثقافية كافة، وذلك انطلاقاً من إيمان الوزارة بأهمية التكريم في دفع عجلة الإنتاج الثقافي المحلي، والارتقاء به إلى مستويات أعلى من الجودة والإتقان. إن هذه الرعاية والتكريم يعطيان دلالة واضحة على إيمان القيادة بقيمة الإبداع والثقافة باعتبارهما عاملين قادرين على الإسهام في تحقيق حضور نوعي يليق بمكانة المملكة وتاريخها العميق الضارب الجذور حضارة وإنساناً. كما أن هذه الجوائز والتكريمات ترسي تقليداً ثقافياً نهجت ودرجت عليه قيادتنا المظفّرة، وترسّخ جوهر الثقافة السعودية التي لم تكن يوماً حدثاً عارضاً وإنما تجذُّر وانغراس في أرض الأصالة والتفرّد.