المتابع لسياسة المملكة المتحدة، يلاحظ إن سياسة هذا البلد مختلف عن البلدان الأخرى، وهذا يحتاج إلى تمحيص، ربما يقودنا إلى مفاجآت غير متوقعة، إن الباحث في تاريخ هذا البلد العريق، يلاحظ إن إنجلترا كانت فيما مضى بلد قليل الموارد الاقتصادية. فعندما تسلمت الملكة الإليزابيث الأولى الحكم عام 1558 بعد وفاة أختها غير الشقيقة ماري الأولى، التي كان يطلق عليها ماري الدموية، كان الوضع المالي في إنجلترا غير مستقر، بعد أن تراكمت الديون عليها. ولكن مع مجيء إليزابيث تغير كل شئ. فهي أول من وضع حجر الأساس للعلاقات عبر الأطلسي، والطابع المميز للروابط بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. فقد شجعت الملكة الرحالة مثل جون هوكينز، وفرانسيس دريك، الذي جال حول العالم في سفينته غولدين هيند، وحقق انتصارات على الأرمادا الأسبانية، والاستيلاء على الذهب والفضة والكنوز الاسبانية، مما أغنى الخزينة الإنجليزية، ولذلك منحته الملكة لقب فارس. كذلك فقد شهد عهد الملكة إليزابيث الأولى تطور الأدب والمسرح وظهور الشاعر والكاتب المسرحي المعروف وليم شكسبير، الذي لا تزال مسرحياته تعرض داخل وخارج بلده، أما في المجال الديني، فقد تم خلال هذه الفترة وضع الأسس القانونية لإنتقال إنجلترا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، حيث أصبحت إليزابيث رئيسة الكنيسة الأنجليكانية بعد أن منحها البرلمان لقب "الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا" بموجب قوانين الإصلاح الديني عام 1559. وفي المجال الاقتصادي، تكفي الإشارة إلى أن إليزابيث سلمت إنجلترا عندما توفيت عام 1603، وهي تنعم بفائض مالي بدلاً من الديون التي كانت عليها عندما استلمت مقاليد الحكم. فسياستها الاقتصادية الناجحة أدت إلى استقرار مالي واقتصادي، ولذلك وصفت فترة حكمها الطويلة بأنها "عصر ذهبي" شهد ازدهاراً ثقافياً وفنياً وتطور اقتصادي. واجلالاً لها صار يطلق عليها الملكة المباركة الفاضلة، ولذلك تم تحنيط جثتها في البداية تكريما لهى، قبل أن يتم فيما بعد دفنها في دير وستمنستر Westminster Abbey. ولم تكن الملكة العذراء إليزابيث الأولى هي المرأة الملهمة الوحيدة التي حكمت إنجلترا، وفيما بعد المملكة المتحدة. فبعدها وفي فترات مختلفة حكمت هذا البلد الملكة آنّ، والملكة فيكتوريا، التي يعتبر عهدها من الفترات المميزة. وأخر الملكات، حتى الأن، هي الملكة إليزابيث الثانية، التي رأينها موقعها المتميز في مؤسسة الحكم في المملكة المتحدة. أن هؤلاء الملكات الناجحات، هن من وضعن الأساس لتوجهات السياسة الداخلية والخارجية لهذا البلد، لأن من جاءوا بعدهن، كانوا يرغبون في السير على نهجهم وتقليدهم وفقاً لمبدأ معروف Demonstration of effect، ولذلك نلاحظ أن الطابع النسائي هو الذي يغلب على سياسة المملكة المتحدة، وأعتقد أن هذا الطابع لا يحتاج إلى شرح، فكلنا لدينا نساء في بيوتنا ونعرف كيف يديرونها بالحيلة والكياسة.