لم تكن رؤية السعودية 2030 مجرد خطة اقتصادية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل أو تحسين كفاءة الإنفاق، بل جاءت، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبقيادة تنفيذية مباشرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، كمشروع وطني متكامل لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والاقتصاد والمجتمع، في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد. ومن هنا، لا يمكن قراءة الرؤية بمعزل عن بعدها السياسي، ولا عن التحولات العميقة في دور الدولة وأدواتها الاقتصادية، ما يجعل مفهوم «الاقتصاد السياسي» مدخلًا مناسبًا لفهم هذا التحول التاريخي. جاءت الرؤية في لحظة مفصلية تزامنت مع تقلبات حادة في أسواق الطاقة، وتغيرات متسارعة في موازين القوة الاقتصادية عالميًا، وصعود أنماط جديدة من المنافسة بين الدول على الاستثمار ورأس المال والتقنية. وفي هذا السياق، عكست توجيهات القيادة الرشيدة إدراكًا مبكرًا أن الاعتماد على نموذج اقتصادي واحد لم يعد كافيًا لضمان الاستقرار طويل الأجل، وأن إدارة التحول تتطلب قرارات اقتصادية ذات أبعاد سياسية واجتماعية واضحة، تُتخذ بثقة وتُنفذ بحزم. أحد أبرز ملامح الاقتصاد السياسي لرؤية 2030 يتمثل في إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد. فبدلًا من نموذج يقوم على الإنفاق الريعي المباشر، اتجهت السياسات إلى تمكين الدولة من لعب دور المنظم والمحفز والشريك الاستراتيجي، عبر إصلاحات هيكلية شملت المالية العامة، وتوجيه الإنفاق، وتطوير الأطر التنظيمية، بما يعزز كفاءة الاقتصاد ويحد من الهدر، مع المحافظة على الاستقرار الاجتماعي. كما عكست الرؤية، بدعم مباشر من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، وعيًا سياسيًا بأهمية بناء شرعية اقتصادية قائمة على الفرص والإنتاجية، لا على الإنفاق وحده. فالتركيز على توطين الوظائف، وتنمية رأس المال البشري، وتمكين القطاع الخاص، لم يكن خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل جزءًا من عقد اجتماعي جديد يعزز مشاركة المواطنين في مسيرة التحول، ويربط النمو الاقتصادي بتحسين جودة الحياة والاستقرار المجتمعي. وتظهر نتائج هذا التحول بوضوح في هيكل النمو الاقتصادي. فوفق تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2024، أصبحت المملكة من أسرع الاقتصادات نموًا في الأنشطة غير النفطية ضمن مجموعة العشرين خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بإصلاحات هيكلية ومشاريع استراتيجية أُطلقت في إطار رؤية 2030. ويعكس هذا المؤشر نجاح الرؤية في إعادة توجيه بوصلة النمو نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، وأقل تأثرًا بتقلبات أسواق الطاقة. وإلى جانب المؤشرات الاقتصادية، أسهمت الرؤية في ترسيخ مناخ ثقة مؤسسية، انعكس في تسريع اتخاذ القرار، وتحسين كفاءة التنفيذ، وتعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية. هذا البعد المؤسسي شكّل رافعة سياسية–اقتصادية مكّنت السياسات العامة من التحول من التخطيط إلى الأثر، ووفّرت أساسًا متينًا لاستدامة الإصلاح. وفي بعدها الاستثماري، أسهم الاقتصاد السياسي للرؤية في إعادة تموضع المملكة على الخريطة الاقتصادية العالمية. فالإصلاحات التشريعية، وتحسين بيئة الأعمال، وإطلاق مشاريع كبرى في قطاعات السياحة والصناعة والتقنية والطاقة المتجددة، حملت رسائل واضحة للأسواق الدولية مفادها أن المملكة لاعب طويل الأجل يمتلك رؤية واضحة وقدرة مؤسسية عالية على التنفيذ، ما عزز الثقة الدولية ووسّع الشراكات الاقتصادية. وفي المحصلة، تكشف قراءة الاقتصاد السياسي لرؤية السعودية 2030 أن ما تحقق لم يكن نتيجة سياسات اقتصادية معزولة، بل ثمرة رؤية قيادية واضحة جمعت بين الحزم في القرار والمرونة في التنفيذ. فالرؤية لا تمثل مجرد برنامج إصلاحي، بل مشروع وطني متكامل أعاد هندسة النموذج التنموي للمملكة، ورسّخ الاقتصاد كأداة من أدوات القوة الوطنية، وعزز مكانة السعودية إقليميًا ودوليًا بثقة واستدامة.