لم أكن أعرفها! نعم لم أكن أعرف كيت شوبان.. القاصة التي كتبت أكثر من مئة قصة قصيرة، والشاعرة التي تختبئ بين أجنحة كتاباتها، والروائية التي تتبعت حكايات مدينتها وأناسها الذين ينتمون إلى أعراق متعددة، والمترجمة التي تسير بهدوء بين كل ذلك. أتت كتابات كيت شوبان من رؤيتها الواقعية للحياة والناس والأمكنة وتشكلت تلك الكتابات فناً أدبياً خالد. ولكن إبداعها أهمل لعقود طويلة. وبدأت أتساءل: لماذا تم إقصاء كيت شوبان؟ وبدأ شغفي بالترجمة يسير بي نحو حقل كتابتها الذي كان مهجوراً. كتب البرفيسور بير سيرستد "فتح منجز كيت شوبان العظيم آفاقاً جديدة في الأدب الأميركي"، والبرفيسور بيرسيرستد هو الذي بدأ إحياء أعمالها! وبدأت مفسرة ثقافة لويزيانا تعود إلى الحياة مرة أخرى. كانت البداية لي مع كيت شوبان عبر قصتها (العاصفة). أوجدت قصة العاصفة لدي أسئلة كثيرة! وكان القرار مغامرتي وهي ترجمة قصص كيت شوبان، هذا يعني مواجهة الآخر المختلف والمجهول، والتعرف عليه، وبدأت رحلة البحث العميق في سيرة كيت شوبان وقصصها وأماكن قصصها سانت لويس ولويزيانا وذاك النهر الذي (يتقوس مثل هلال). وأخذتني كيت شوبان إلى كتابات المرأة في القرن التاسع عشر وحالها في المجتمع في تلك الفترة. لم يكن الأمر بالسهل، ولكن كان هناك متعة خفية ازدادت عندما وجدت أمامي مجلداً ضخماً، يضم رواياتها وقصص قصيرة لم تنشرها. وبدأت المغامرة، اختيار موضوعات القصص، لأجد نفسي أمام أربعة عشر قصة بدلاً من خمس قصص. غمرتني ضحكات صغار أوديل، وأدهشتني كذبة الطبيب شيفاليه، وأدمعت عيناي لأجل لافولي الحنونة. لن أنسى مشاعر القلق والحيرة والشك بشأن مفردة، أو تشبيه. ولكن تبقى قصة (رسائلها) تحدى مرهق لاينسى. خلال رحلتي مع كيت شوبان، والتي أمتدت لأكثر من عامين، عرفت أن الترجمة الأدبية فعل ثقافي ينعطف حول أخلاقيات المترجم ويكشف مدى استحقاقيته للنص الأصل، وأدركت حساسية اللغات، والثقافات وما وراءها من تجارب إنسانية مختلفة ومتشابهة بين الشعوب ، وتعرفت على عوالم الملكية الفكرية. عبر ترجمتي لقصص كيت شوبان اكتشفت ماذا يحدث عندما تترجم(مترجمة) لكاتبة! تتسع الأنوثة في أعماقها، وتفهم ذاتها أكثر ويزهر قاموسها الفكري واللغوي بماذا أخبرتني كيت شوبان ؟ أخبرتني أن هناك إبداع تكتبه المرأة ولكن تم تجاهله بسبب الجندرية التي لازمت إبداع المرأة تاريخياً، ولاتزال. ولم تتنه الرحلة بعد.. قمت بنقل ترجماتي لقصص كيت شوبان وسيرتها إلى جماليات الوسائط البصرية، والسمعية عبر الرقمية. وهاهي كيت شوبان تعود إلى جامعات العالم ومراكز الدراسات الأدبية والثقافية بعد غياب طويل، لتؤكد ماكانت تنادي به بأن الأدب لابد أن يتناول الدوافع الإنسانية التي تتجاوز جغرافية المكان وتواريخ الأزمنة ، ولا ترتبط بمجتمع ما. وبعد.. لازلت أتساءل ترى هل فعلتها ؟ هل حقاً عبرت النهر.