في عالم اليوم، يكفي منشور قصير لشخص غير معروف على واحدة من منصات التواصل الاجتماعي لإشعال عاصفة رقمية تتسع دوائرها سريعًا، وتنطلق النقاشات التي يشارك فيها آلاف الأشخاص، ويصل صداها إلى ملايين المتابعين. فخلال دقائق معدودة، يتحول ما كان حديثًا جانبيًا إلى موضوع يناقشه الجميع، وتصبح له أصداء واسعة في الفضاء الرقمي. غير أن هذا المشهد في السعودية يأخذ طابعًا خاصًا، حيث يمتلك الجمهور حضورًا فاعلًا لا يكتفي بدور المتفرج، فالفضاء الرقمي السعودي مختلف، لأن المستخدم هنا لا يكتفي بالمشاهدة بل يعيد تشكيل الحدث، ويناقشه، ويوسع من تفاصيله، ويمنحه لغة جديدة وزاوية فريدة. وبينما يحتاج التأثير في كثير من الدول إلى مؤسسات أو منصات ضخمة، يمكن في السعودية أن ينطلق التأثير من فرد واحد عبر جملة قصيرة في لحظة عابرة. فالجمهور السعودي متصل كنبض واحد، يشعر ويتفاعل ويستجيب، ومن ثم تقوم الخوارزميات بعد ذلك برفع النقاش إلى مستوى واسع، ضمن إطار وعي ومسؤولية وطنية ورغبة في المشاركة في مسيرة التحول الذي تشهده المملكة. لقد أطلقت رؤية 2030 طاقة هائلة داخل المجتمع السعودي، فدفعت الناس إلى حالة من النشاط والتفكير الجماعي، وكذلك الاهتمام بقضايا التنمية والاقتصاد والاستثمار والتحول الإعلامي والتقني واستشراف المستقبل. ولهذا فإن السعودي حين يكتب منشورًا أو يعلق على حدث، يدرك أن صوته جزء من تشكّل رأي عام جديد يشارك فيه ملايين الأفراد. وبذلك أصبح السعوديون اليوم أكبر قوة رقمية في الشرق الأوسط. فهم لا يكتفون بمتابعة الحدث بل يغيّرون اتجاهه، ولا ينتظرون الخبر بل يصنعون سياقه، ولا يستهلكون المحتوى بل يختبرونه وينقدونه ويعيدون إنتاجه. كما يتميز هذا الجمهور بكونه شابًا، سريعًا، واعيًا، ومتعطشًا للمعرفة، ما يجعله الأقرب إلى المنصات والأسرع في التفاعل، والأكثر اهتمامًا بالمحتوى العميق والمفيد، الأمر الذي يجعل الفضاء الرقمي السعودي نابضًا بالحيوية، وقادرًا على إنتاج تصورات وأفكار جديدة يوميًا. وهكذا، لم تعد القوة الرقمية السعودية مجرّد حركة نشطة على منصات التواصل، بل هي تحوّل هيكلي يعيد رسم صناعة الرأي العام في الشرق الأوسط. إنها إحدى أدوات القوة الناعمة السعودية التي تتكامل مع التحولات الاقتصادية والثقافية والتقنية في المملكة، لتُظهر كيف يمكن لمجتمع شاب وواعٍ أن يصبح لاعبًا مؤثرًا في محيطيه الإقليمي والدولي. وفي عالم باتت فيه التغريدة تصنع موجة، والمعلومة تشكّل وعيًا، أصبح الحضور الرقمي السعودي صوتًا لا يمكن تجاهله، وقوة تسبق الحدث وبوصلة تحدد اتجاهه.