يُعبّر محمود درويش عن اللامبالاة بقوله: "ولكن في اللامبالاة فلسفة، إنها صفة من صفات الأمل". وفي الوقت الذي يرى فيه البعض اللامبالاة ضرباً من البرود السلبي أو ابتعاداً عن الجادّة، يقدّمها درويش بمعنى مناقض تماماً؛ كصفة إيجابية تحمل بصمة الأمل، وليست علامةً على التواني والتقاعس. فالمعنى الذي يشير إليه هو نوع من الفطنة في التعامل مع الواقع، وحكمة في مواجهة الظروف التي لا نملك تغييرها. إنّها اللامبالاة المتوشّحة بالحكمة: تركيزٌ على ما يمكن تغييره، وتجاهلٌ لما لا سبيل لتعديله مهما حاولنا. هي أيضاً ثقة بالنفس، وقدرة على تجاوز الإساءة، ورغبة في التحرر من القلق حول ما قد يخبئه الغد. ويتلاقى أبو الطيب المتنبي مع هذا المعنى قبل درويش بقرون حين يقول: لا تلقَ دهركَ إلّا غيرَ مُكترثٍ ما دامَ يَصحبُ فيهِ روحَكَ البدن ورغم أنّ المتنبي كان من أشدّ الناس حرصاً على المجد وطلب المكانة، إلا أنه يقدّم هنا حكمة دقيقة: علينا اختيار ما يستحق أن يُبالى به، والتخفف مما دونه. إنها دعوة لميزان داخلي يفرّق بين ما يَسمو بالإنسان وما يرهقه بلا جدوى. ويمتد هذا المعنى إلى إحدى أعمق الفلسفات التي عرفها البشر: الفلسفة الرواقية (Stoicism). فهي تقوم على الثبات الداخلي وضبط الذات، وعلى الإيمان بأن الإنسان لا يتحكم بالعالم، لكنه يتحكم بموقفه من العالم. وأن العاصفة لا تُربك من عرف مركزه، والهدوء ليس ضعفاً بل قوة تبنيها السكينة. إنها فلسفة تحرر الروح من الانشغال بما لا طائل منه، وترفعها فوق فوضى الأيام. وأمّا الفلاسفة والأدباء فقد قدّم كلٌّ منهم زاوية مختلفة للامبالاة، لكنها تلتقي عند كونها حماية للإنسان من أثقال ما لا يستحقه. فمارك في كتابه «فن اللامبالاة» يرى الراحة في أن "لا تبالي برأي الناس عنك، وأن تكون مرتاحاً لاختلافك عنهم». ويقول نيتشه إن "اللامبالاة هي أيضاً شكل من أشكال القوة"، إشارةً إلى قدرتها على تعزيز التركيز وصون صفاء الذهن من التبعثر. أما غادة السمان فترى أنها "آخر فصول الوجع"، حين تختار الروح النجاة لا الاستنزاف. لحظة ختام: يقول الأديب غازي القصيبي، رحمه الله: «ستُدرك في وقت متأخر من الحياة، أن مُعظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية».