فرجينيا وولف تحدثت في كتابها «غرفة تخص المرء وحده» عن تلك الغرفة الخاصة التي تحتاجها المرأة للكتابة، وغادة السمان التي قالت: «الأم حين تكتب ترتكب فعلاً ثقافياً لأنها ترفض أن تتنازل عن ذاتها»، سيلفيا بلاث من روايتها «الناقوس الزجاجي» قالت: «على الطاولة نفسها التي كنت أعد فيها طعام طفلي لم يكن لدي وقت، فاشتريته من نومي»، منتقلين إلى منى زيادة حين قالت: «من ينتزع من المرأة قلمها ينتزع نصف عقلها»، وأضافت نازك الملائكة قائلة: «كنت أكتب لأُسمع صوتاً خافتاً يوشك أن يضيع». وأخيراً قالت توني موريسون: «كنت أكتب وفي أحضاني طفل». لم يكن لديه رفاهية الغرفة فخلقت غرفة من حضني، ليُكشف لنا من سيرهن الأولى أياً كان عرقهن بعضاً من معاناتهن التي أحب أن أطلق عليهم «الكاتبات المكافحات» لأن الكتابة عندهن وسيلة لتحرير الذات من الدور الذي يُرسم لهن. فمن فرجينيا وولف التي اشترطت غرفة خاصة لتكتب.. إلى سيلفيا بلاث التي أعدت وجبة طفلها على نفس الطاولة التي كتبت عليها نصوصها الخالدة. هناك الكثير من الأمهات الكاتبات أثبتن أن العزلة الحقيقية لا تحتاج إلى غرفة إنما إلى قلب يعرف كيف يستعيد ثقته بنفسه، لقد صنعت كثير من الأمهات غرفهن الخاصة من فتات الوقت ومن قلب المسؤوليات الثقيلة وتلك البيوت الممتلئة، وحولن تلك الفوضى العارمة من حولهن بأصوات أبنائهن إلى نصوص تشبهن في الثبات، يا لتلك الأم الكاتبة التي تخلق من التعب لغة لنفسها، لم تبحث عن مجد إنما عن تلك المساحة التي تتنفس فيها من معاركها اليومية لتنقذ ذاتها من ذاتها، لم تمنعها أمومتها من أن تفتح طريقاً لنفسها ليرى ذلك الجيل القادم أن تلك الأم الكاتبة المثقفة جزء مكافح وليس يداً فقط، إنما روح تفكر وتكتب وتخلق، تلك الأم هي التي تربي أبناءها بيد، وتخلق النص باليد الأخرى، لتثبت أنها قادرة أن تصنع من فوضى يومها الجميل فسحة صغيرة فيه شيء من ذاتها، حتى هذا اليوم الذي نالت فيه ما تستحقه من تمكين لم تتخلَّ لحظة عن كل ما كانت تحلم به إنما جعلت هذا التمكين باباً مشرقاً لتتحول تلك الكتابة من مقاومة إلى حضور ألق وصلت له بعد كفاح سنوات كانت تحاول أن توازن فيه بين طفل يبكي وفكرة تخشى عليها من الضياع، نعم، تفاصيل مربكة تصنع تحديات ومسؤوليات تقود إلى نتيجة تستحق اللفتة إلى حضور»الأم الكاتبة» في المشهد الثقافي بحضور يليق بها، فقد تجاوزت ما قد لم يستطع غيرها تجاوزه، وتألقت وحضرت رغم أن الوقت لم يكن في صفها، إنه سبب كافٍ لأن يُشاد بها وتسجل تلك المغامرات التاريخية في ذاكرة الثقافة بوصفها إحدى المحطات التي لا يمكن تجاوزها.