هناك ظاهرة تتكرر كثيرًا في كرة القدم وهي مدرب يحقق نتائج كبرى، يصنع فريقًا منضبطًا، وينتصر في أصعب المواقف... ومع ذلك يجد نفسه هدفًا للجدل والانتقاد، وهذا بالضبط ما يحدث مع سيموني إنزاغي في الهلال، فبينما تشير الأرقام إلى فريق هو الأقوى دفاعًا وتنظيمًا، وتدل النتائج على استقرار فني نادر، إلا أن جزءًا من الجمهور — خصوصًا ممن يحملون "هوية كروية قديمة للهلال"— يجد صعوبة في الاعتراف بهذا النجاح.. لماذا يحدث ذلك؟ الإجابة لا تتعلق بكرة القدم فقط؛ بل بطبيعة النفس البشرية، فقبل أي شيء الجمهور (وخاصة جمهور الأندية العريقة) لا يشجّع النتائج فقط، بل يشجّع أسلوبًا وهوية وشعورًا معينًا، والهلال نادٍ صنع لنفسه خلال عقود صورة ذهنية تعتمد على الكرة الهجومية، والاستحواذ، والمهارات، والضغط العالي لتصبح هذه "الهوية الذوقية" لدى المشجع جزءًا من توقعاته، لدرجة أنه يربط الفوز بالجمالية، وليس بالكفاءة فقط، وهنا أتى إنزاغي الذي جاء بأسلوب مختلف، كرة منظمة، والتزام تكتيكي، وتوازن هائل، وفريق يعرف كيف يفوز دون ضجيج بمعنى آخر نجاح "عقلاني" وليس "استعراضي". وهنا تبدأ المفارقة، فعندما لا يتطابق الأسلوب الجديد مع الهوية المتوقعة، يصبح نجاح المدرب غير مرئي عاطفيًا، فالإنسان بطبيعته يبحث عمّا يثبت قناعاته المسبقة — وهي ظاهرة نفسية معروفة ب التحيز الإدراكي. ولذلك، المشجع الذي يدخل المباراة مقتنعًا أن إنزاغي "دفاعي" سيلاحظ كل لحظة تراجعاً، ويتجاهل كل لعبة بناء أو ضغط ناجح. هذه الظاهرة ليست جديدة؛ رأيناها مع مدربين عالميين، المشكلة ليست في إنزاغي... بل في التصادم بين العادة والتجديد، فالجمهور يريد أن يشعر بالإثارة، بينما إنزاغي يقدّم كرة تعتمد على الذكاء والهدوء والانضباط وهذا النوع من النجاح يحتاج وقتًا لكي يستوعبه المشجع العاطفي. الحقيقة البسيطة تفرض نفسها يومًا بعد يوم الهلال تحت قيادة إنزاغي فريق قوي، منظم، واقعي، وصعب جدًا أن يُهزم وقد يختلف البعض حول "جمالية الأسلوب"، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن الرجل يعرف كيف يبني فريقًا يفوز... وهذه هي الوظيفة الأساسية للمدرب. في النهاية، المشجع قد لا يحب الأسلوب، لكنه سيتصالح مع النجاح... وعند استمرار النتائج، ستتشكل هوية جديدة، وسيُنظر إلى إنزاغي بوصفه أحد أكثر المدربين الذين غيّروا شكل الفريق حتى لو تأخر الاعتراف.