في مقاله لمجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs Magazine، أشار الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب بتاريخ 2 ديسمبر إلى 3 أمور مهمة هي: 1- أن النظام العالمي الليبرالي، الذي وضعه الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، آخذ في الزوال. 2- تصاعد المواجهة بين الغرب والشرق والجنوب وعودة المواجهة بين الدول العظمى، بدلاً من التنسيق والتعاون فيما بينها. 3- تزايد الدور الذي تلعبه القوى المتوسطة والبلدان الناشئة. وهذه الأمور الثلاثة، لها انعكاسات اقتصادية كبيرة. فزوال النظام العالمي الليبرالي الذي تكون منذ الحرب العالمية الثانية، يعني أن النظام الاقتصادي - المالي العالمي الذي هيمن طوال ال 80 عاماً الماضية سوف يخلي مكانه لنظام اقتصادي - مالي عالمي آخر. وهذا يعود بنا إلى مؤتمر «شنغهاي» الذي انعقد في مدينة تيانجين في أغسطس الماضي، ففي خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر، أكد أن النظام العالمي قد دخل مرحلة، بحيث يتطلب العمل من أجل إقامة نظام عالمي وحوكمة عالمية أكثر عدلاً وإنصافاً، تأخذ بعين الاعتبار المساواة، والالتزام بالقانون الدولي وممارسة التعددية. وهكذا أصبح واضحا أن مطالب الدول النامية في إقامة نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلا وإنصافاً، والتي حاول الغرب الالتفاف عليها، سوف تعود من جديد، بعد أصبحت الدول الناشئة مثل بلدنا تلعب دوراً متزايدا في الحياة الاقتصادية والسياسية الدولية. فالمطالب التي طرحتها دول عدم الانحياز في السبعينات من القرن الماضي، والتي تم تضمينها في قرارات الدورة الاستثنائية السادسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1974، قد حددت مطالبها لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، فهذه المطالب سوف تكون محل نظر الدول التي تطمح في إقامة نظام اقتصادي - ومالي عالمي مختلف عن النظام العالمي الليبرالي، الذي هو في طريقه للزوال، وفقاً لما يراه الرئيس الفنلندي. ويمكن أن نتلمس معالم النظام الاقتصادي القادم من خلال رؤية 2030، فهذه الرؤية وضعت على رأس أولوياتها، تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. ولذلك يعمل بلدنا دون كلل من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد. وهذا يعني من ضمن ما يعني، إن المملكة سوف تنتج العديد من السلع التي كنا نستورها، إذا كان إنتاجها يتمتع بمزايا نسبية. إذاً فرؤية 2030 تنسجم مع مطالب الدول النامية التي يهمها تغيير التقسيم الدولي للعمل، القائم على أساس أن البلدان الصناعية هي من ينتج البضائع، وإن البلدان النامية هي من ينتج الخامات الضرورية لدوران دولاب الصناعة في الغرب من ناحية، ومستوردة لكل ما تحتاجه من البلدان الصناعية من ناحية أخرى. ولذلك، فليس مستغرباً أن يشير الرئيس الفنلندي إلى بلدنا في مقاله المشار إليه، باعتبارها واحدة البلدان الرائدة التي سوف تلعب دوراً متزايداً في الحياة السياسية والاقتصادية العالمية.