من يعتقدون أن ما فعلته إكس فيه انتهاك للخصوصية يركزون على زاوية ضيقة جدًا، أو ربما يحاولون حماية مشروعاتهم المستقبلية، ولا بد من التعامل مع ما حدث بالجدية الكافية، لأن الهوية الرقمية قضية مفصلية في مكافحة الإرهاب، وفي الجريمة المنظمة، وفي تجارة المخدرات.. وأتمنى على منصة إكس ألا تساوي بين الضحايا والجلادين، ولا تعطي المجاهيل ومنتحلي الهويات شرعية لا يستحقونها.. الخاصية التي قامت منصة إكس بتفعيلها في الفترة الأخيرة، والتي جعلت الموقع الجغرافي لحسابات مستخدميها، متاحا لكل أحد، أسقطت ورقة التوت عن الكثيرين، وكشفت عن وجود أشخاص يقولون إنهم سعوديون أو سعوديات، وهم في الواقع يحملون جنسيات غير سعودية، ويديرون حساباتهم من دول خارجية، ليس من بينها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووحدته الاستخبارية: 8200، وإنما تركيا وبريطانيا واليمن وكندا وأميركا، وبعض الدول الأوروبية والخليجية، ومعهم آخرون من شمال إفريقيا، ومعظم هؤلاء يناقشون قضايا المملكة الداخلية، أو يتعرضون لملفات اقتصادية وسياسية فيها، ويقدمون معلومات مغلوطة ومضللة لمن يتابعونهم، ووصل الأمر الى درجة الإساءة للمرأة السعودية باستخدام اسمها ولقبها في معرفات نسائية، تطرح محتوى خادشاً للحياء، وكل ما سبق يستهدف افتعال المشكلات داخل المجتمع السعودي، لأسباب مصلحية. الإشكالية في الأخبار الكاذبة او الزائفة، في رأيي، ان كشفها وفضح من يقف خلفها لن يكون فاعلاً، بدون الدخول في تفاصيلها، وهذا التصرف سيقدم دعاية مجانية لأصحابها، ويعطيها جماهيرية وشعبية أكبر، ويجعل المسألة أكثر تعقيداً، ولعل ما حدث في إكس ليس جديداً، فهو يمثل امتدادا لحملة دولية ضد إخفاء الهويات في السوشال ميديا، تقودها شخصيات عالمية، يأتي في مقدمتها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طاله ضرر هذه الأخبار الملفقة في انتخابات 2017. معظم الحسابات الزائفة على السوشال ميديا، وتحديدا في منصة إكس، تعمل بطريقة يسمونها فون فارمز، او مزارع الجوالات الذكية، ومن الشواهد، عملية سيم كارتيل، التي قامت بها الشرطة الأوروبية في لاتفيا بشمال أوروبا، بالتعاون مع النمسا واستونيا وفنلندا، وتحديدا يوم 10 أكتوبر 2025، وذلك استكمالا لتحقيقاتها في 1700 قضية نصب إلكتروني، وقد انتهت بالقبض على سبعة أشخاص كانوا يديرون شبكة ضخمة من الحسابات على السوشال ميديا، وصلت إلى 49 مليون حساب، ووُجد بحوزتهم ألف ومئتا جهاز من نوع سيبوكس، تحتوي على أربعين ألف شريحة جوال، تم شراؤها بطريقة مشروعة من 80 دولة، وكلها لا تشترط ربط الشريحة بالهوية، مثلما تفعل المملكة، ومن ثم استخدامها لتشغيل وإدارة هذه الحسابات المليونية، من خلال روبوتات ذكاء اصطناعي مدربة ومبرمجة، والأخيرة تقوم وبطريقة آلية، بإنشاء الحسابات الوهمية، والتفاعل مع الأشخاص ومجادلتهم بأسلوب لا يختلف عن الأشخاص العاديين، والشبكة الإجرامية نجحت قبل تفكيكها، في نشر أخبار كاذبة، وافتعال أزمات، والقيام باحتيالات إلكترونية ضخمة. السابق يعرف بحروب الجيل السادس، لأن الذكاء الاصطناعي أصبح طرفاً فيه، وقد تم تطويره ليتحكم في المشاهدات والإعجابات وإعادة النشر، بحسب تفضيلات صاحبه أو من يستفيد من خدماته، سواء كان شخصا أو منظمة إجرامية أو جهازاً أمنياً، وقائمة المستفيدين طويلة، ولكن الثابت هو أن الأرقام المبالغ فيها لما ينشر في السوشال ميديا، يقف وراءها مقدمو هذه الخدمات، لصناعة الترند والتلاعب بمواقف ووجهات نظر الآخرين، بالشراكة مع خوارزميات المنصة نفسها، التي تحدد ما يبرز وما يهمش، بما ينسجم مع أولوياتها، وما تحاول تسويقه والتأكيد عليه، ولا خلاف أن ما قامت به إكس عزز من شفافيتها ونزاهتها، ولكنها في المقابل، وثقت في أواخر 2022 حسابات كثيرة دون التحقق من هوية أصحابها، وأعطتهم مشروعية لا يستحقونها، وأسهمت -بقصد أو من دون- في صناعة هويات زائفة، واذا كانت رسوم الاشتراك ضرورية ومهمة، فالمفروض ان تعمل المنصة على تخصيص لون جديد يميز من يدفعون عن غيرهم، ممن خضعوا لمعايير التوثيق المعمول بها في بقية المنصات الاجتماعية. من الأمثلة على الحسابات الوهمية الموثقة في إكس، حساب باسم الجيش الروسي يهاجم باكستان باستمرار، اتضح بعد خاصية تحديد المواقع أنه يدار من الهند، وهذا يذكرني بحساب آخر لشخصية نسائية زعمت أنها سعودية تعمل في مهنة المحاماة، وتتعاون مع الأممالمتحدة، وأن لديها مكتبا في الرياض، وتحمل درجة البروفيسورية في القانون، وهددت برفع قضايا في النيابة العامة، وفي الإنتربول، ضد لاعبين وكتاب ومؤثرين، وعلامة التوثيق المدفوعة أعطتها مصداقية، وأسهمت في اعتماد أكثر من 170 صحيفة عليها، محلياً وعربياً وعالمياً، كمصدر موثوق للأخبار، وقامت بنقل ما تعرضه من قضايا في حسابها، ومن ثم سقط البرقع، وتبين أن الحساب ينشر من سويسرا، وأنه لشخصية غير سعودية، ومعلوماته ملفقة بالكامل، وتم إغلاقه. من يعتقدون أن ما فعلته إكس فيه انتهاك للخصوصية يركزون على زاوية ضيقة جداً، أو ربما يحاولون حماية مشروعاتهم المستقبلية، ولا بد من التعامل مع ما حدث بالجدية الكافية، لأن الهوية الرقمية قضية مفصلية في مكافحة الإرهاب، وفي الجريمة المنظمة، وفي تجارة المخدرات، وأتمنى على منصة إكس من باب العدالة الإلكترونية، ألا تساوي بين الضحايا والجلادين، ولا تعطي المجاهيل ومنتحلي الهويات من تجار الموت وصناع المكائد بأنواعها شرعية لا يستحقونها، لمجرد الحصول على حفنة من الدولارات.