الهيمنة الإعلامية ومكينتها الدعائية لا تتوقف على السياسة، بل تمتد إلى التسويق للمنتجات المختلفة والأشخاص، وإلى الشؤون الثقافية والاجتماعية وغيرها.. وفي رأيي الشخصي، لا يجب تصديق إلا ما نراه ونسمعه بدون وسيط، وبالتجربة المباشرة، فغالبية من يصلون يطلبون المغفرة، أو بصريح العبارة يخدمون مصالحهم وحدهم.. في حرب ال12 يوما بين إيران ودولة الاحتلال، في العام الجاري 2025، سيطرت على الإعلام الإقليمي والعالمي سرديتان، كل واحدة منهما تخدم طرفا على حساب الآخر، فقد كانت سردية الاحتلال تركز على المسألة النووية، ومحاول إيقاف الدور الإرهابي لإيران ووكلائها، وتأثيره على دول المنطقة والملاحة البحرية، وأن الحرب ضد إيران جاءت لتحييد قدراتها النووية، وأولها تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية، وقد ساعدت أميركا في تعطيل المنشآت النووية لإيران.. بينما ركزت السردية الإيرانية على حقها في حيازة السلاح النووي، وفي الدفاع عن نفسها وسيادتها، والطرفان قدما رؤيتهما الإعلامية لما يحدث مثلما يرونها، ومارسا احتكارا واضحا لم ينقل أو ينشر، وبالتالي فإن معظم ما تم عرضه على المحطات الفضائية، لا يتجاوز حدود المسموح به من الدولتين، وقد مورست الدعاية السياسية الموجهة في هذه الحرب باحترافية عالية، ووظف طرفا الحرب آلته الإعلامية لشيطنة الطرف المقابل، والسابق يعرف بالدعاية البيضاء، لأنه يقدم معلومات صحيحة ولكنها ناقصة. المعنى مما قيل، أن معظم الأخبار الصحافية والتلفزيونية عن هذه الحرب، لا يزال في حدود التوقعات والتخمينات، حتى الأرقام وهويات الضحايا والمواقع الدقيقة للضربات الجوية، ليس بالإمكان اختيار صدقيتها بصورة كاملة، باستثناء ما اتفقت إيران ودولة الاحتلال على أنه صحيح، وبالتأكيد كل من ينقله الإعلام، يستهدف استمالة الناس لوجهة نظر معينة، وتكوين رأي محدد حول ما حدث، بحسب الخط التحريري للمحطات الأخبارية، وسياسية إدارة الأخبار فيها، وقائمتها الخاصة بالممنوعات والمسموحات، وهذه الاسترتيجيات قديمة قدم الحضارة الإنسانية. فأول من استخدم الدعاية السياسة في العالم القديم، كان القائد اليوناني ثيميشوكليس، لهزيمة خصمه زركسيس، عام 480 قبل الميلاد، ووظفها البابا أوربان الثاني، لشحن عاطفة المسيحيين الدينية، وتشجيعهم على تمويل الحملات الصلبية والانضمام اليها، والأمر لا يختلف عن استخدام أميركا للبوسترات وشخصية العم سام، وإنتاج أفلام قصيرة عن بطولة جنود الحلفاء، وعن بربرية الألمان وخطورتهم على الديموقراطية في 1917، أيام الرئيس وودرو ويلسون، وقد نجحت الدعاية السياسية في أهدافها، وكسبت تأييد الرأي العام الأميركي، ووقوفه إلى جانبها، ودخلت أميركا الحرب العالمية الأولى في أوروبا، رغم أن المحيط الأطلسي يفصل بينهما، والخطر أبعد ما يكون عنها. بالإضافة إلى استخدامها لمواجهة ثورة الهنود ضد شركة الهندالشرقية البريطانية في 1815، فقد بالغ البريطانيون في تشويه صورة الرجال الهنود، وانتشرت حكايات عن اغتصابهم للنساء الإنجليزيات، لتكريس وحشية الشعب الهندي، وأنه ليس مؤهلا لحكم نفسه، بدون مساعدة الرجل الأبيض، وحتى الثورة الفرنسية استعانت بالدعاية والبرباغندا، وأعطت الصحافة سلطة كبيرة، واستخدمتها في التأثير على الفرنسيين البسطاء، وفي العمل السياسي، وفي توجيه الصراعات السياسية.. وفي الألفية الحالية، بررت بها أميركا حربها على العراق في 2003، بذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وهو ما لم تثبت صحته فيما بعد. الهيمنة الإعلامية ومكينتها الدعائية لا تتوقف على السياسة، بل تمتد إلى التسويق للمنتجات المختلفة والأشخاص، وإلى الشؤون الثقافية والاجتماعية وغيرها، وتلجأ في أعمالها إلى أساليب سيكولوجية متنوعة، من أمثلتها، التنميط والقولبة، وتسمية الأشياء بغير مسمياتها، والاستفادة من الشخصيات الشهيرة في الإقناع، والتظاهر بإعطاء فرص متساوية للحوار والتعبير، وبالأخص من خلال المحطات الأخبارية ومنصات السوشال ميديا.. ومن النماذج على الأفلام الدعائية المرجعية فيلم: انتصار الإرادة، الذي أنتجته النازية عام 1935، وتم فيه تصوير هتلر والنازية بطريقة كهنوتية، لتعزيز ولاء الألمان وتأييدهم له، بجانب سلسلة الوثائقيات الأميركية، في الحرب العالمية الثانية، واستخدامها لسردية الحرية ضد الفاشية، لشرعنة تصرفاتها، وفي المقابل فيلم: معركة الجزائر، المنتج عام 1966، ودعايته للمقاومة الجزائرية، بواقعية نسبية، وفيلم: فجر أحمر في 1984، أيام الحرب الباردة، وتضخيمه لتهديدات السوفيت وخطورتهم، والامثلة كثيرة وموجودة لمن يبحث عنها. الأعجب أن الديموقراطيات الغربية، تعتبر الأكثر استخدما للبروباغندا وحملات الدعاية والتسويق للأفكار والمواقف، والأدلة موجودة في أرشيف الحرب العالمية الأولى والثانية، فقد استعانت بالبوسترات الدعائية لكسب التأييد الشعبي، وبالراديو في الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي، ومن ثم جاء التلفزيون والنقل الحي لحرب تحرير الكويت في عام 1990، وقناة سي إن إن الأميركية، تصنف أنها الأولى في هذا المجال، ومنذ قرابة 14 عاماً، ومنصات السوشال ميديا تمارس دورا دعائيا أسود، في معظم الأحيان، كتلاعبها بنتائج الاستطلاعلات على الإنترنت، والترويج لمواقع إلكترونية بتضخيم أعداد زوارها، والتحكم بالنتائج على محركات البحث، وإنشاء حسابات وهمية وبأسماء ملفقة، لتسويق معلومات خاطئة أو مفبركة، ولعل سطوتها الأكبر حضرت في ثورات الربيع العربي عام 2011، واستراتيجية الهاشتاغات التي اعتمدت عليها، وما احتوت عليه من أكاذيب وافتراءات كثيرة.. وفي رأيي الشخصي، لا يجب تصديق إلا ما نراه ونسمعه بدون وسيط، وبالتجربة المباشرة، فغالبية من يصلون يطلبون المغفرة، أو بصريح العبارة يخدمون مصالحهم وحدهم.