لا تمرّ لحظة في هذا العالم المضطرب إلا ويعيد فيها التاريخ تشكيل خرائطه السياسية والاقتصادية، لكن قلّما يشهد الزمن تحوّلًا تتقدمه دولة بإرادة واعية كما تفعل المملكة العربية السعودية اليوم. ففي ظل قيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أكدت المملكة حضورها كقوة دولية يُعاد عند أبوابها تعريف النفوذ وتُقاس عليها معايير التأثير. إن ما يجري ليس مجرد تحديث لمؤسسات أو إعادة صياغة لموازين الاقتصاد، بل هو مشروع نهضوي شامل يضع المملكة في قلب المشهد الدولي، ويمنحها مكانة تستحقها بين صناع المستقبل. حين وصل سمو ولي العهد إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن لم يكن المشهد مجرد زيارة رسمية تتكرر في سجلات الدبلوماسية. كان مشهدًا محمّلًا بالرمزية، عميق الدلالة، يختزل سنوات من العمل السياسي المتقن والتحول الوطني المتسارع. اصطفاف حرس الشرف، ورفع الأعلام، وحفاوة الاستقبال الشخصيمن الرئيس الأمريكي، كلها كانت إشارات واضحة إلى أن العالم بات ينظر إلى سموه باعتباره أحد أكثر القادة تأثيرًا في الساحة الدولية. هذا الاستقبال لم يكن احتفاءً بشخص سموه فقط، بل احتفاءً بدولة ذات نفنوذ عالمي واسع. لقد أدركت واشنطن، كما أدرك العالم من قبلها، أن الحديث عن المستقبل لا يكتمل من دون المملكة، ولا يمكن فصل أمن المنطقة واستقرار الطاقة وتقاطع السياسات الكبرى عن دور الرياض. إن الاتفاقيات التي وُقّعت خلال تلك الزيارة، والتي تجاوزت 270 ملياردولار، ليست مجرد أرقام تُدوَّن في البيانات، بل هي امتدادٌلمشروع اقتصادي ضخم. وهي في جوهرها رسالة للعالم بأن السعودية لا تنتظر نصيبًا من النمو العالمي، بل تصنعه. لقد بات من الواضح أن المملكة تتحول إلى مركز عالمي للاستثمار، ووجهة للشركات الكبرى، ومنصة للطاقة التقليدية والمتجددة، ومختبرًا للتقنيات المستقبلية. فالتعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، وضمان سلاسل إمداد المعادن الحرجة، وتطوير الصناعات المتقدمة ، ليست مشاريع تقنية جافة، بل هي مفاصل في مشروع استراتيجي يهدف إلى وضع السعودية في مقعد القيادة داخل عصر ما بعد النفط. وتقوم رؤية 2030 على فلسفة لا تخفى: التحول ليس خيارًا؛ بل قدر يصنعه القادة الذين يعرفون كيف يُمسكون بزمام الزمن. وهذه الفلسفة هي التي جعلت من السعودي اليوم مواطنًا جزءًا من حقبة تحول تاريخي، ومن المملكة دولة تُترجم أحلامها إلى بنية تحتية،ومراكز مالية، وتمكين شبابي، وقطاعات صناعية وسياحية وثقافية تعبّر عن دولة ترى المستقبل بعيون واثقة. في مشهد سياسي دولي يعج بالضجيج والشعارات والمواقف المتقلبة، برزت السياسة الخارجية السعودية بقيادة سمو ولي العهد كمنهجية تقوم على الوضوح والتوازن والقدرة على التأثير الهادئ. فالمملكة لا تميل إلى الخطابات النارية، ولا تركن إلى الانفعال السياسي، لكنهاحين تتحدث يصمغي العالم. وقد ظهر هذا بوضوح خلال مناقشة الملف السوداني في واشنطن. فحين دعا سموه إلى تعزيز الجهود الدولية لوقف نزيف الحرب في السودان، لم يكن ينطق بعبارات دبلوماسية مألوفة، بل كان يتحدث من موقع المسؤولية التاريخية لدولة تعتبر استقرار المنطقة جزءًا من استقرارها. وقد أفضت هذه الجهود إلى دفع الإدارة الأمريكية لإعلان التزام حقيقي تجاه القضية السودانية. إن هذه المواقف تكشف عن جوهر السياسة السعودية الجديدة: سياسة تُوازن بين القوة والرحمة، بين النفوذ والإنسانية، بين المصلحة الوطنية والمسؤولية الأخلاقية. ولا يمكن فهم التحولات السعودية دون فهم الدور المحوري لسمو ولي العهد، فهو قائد يجمع بين الجرأة والرؤية والقدرة على تنفيذ ما يراه البعض مستحيلًا. قائد لا يخشى اتخاذ القرارات التي تصنع الفارق، ولا يتردد في فتح الآفاق الجديدة التي تليق بأمة تمتلك قدرات غير محدودة. إن التغيير الذي تشهده المملكة لا يُقاس فقط بالمدن الذكية التي تُبنى،ولا بالقطاعات الجديدة التي تُطلق، ولا بالمشاريع العالمية التي تُعلن؛بل يُقاس أيضًا بروح جديدة تسري في مفاصل الدولة والمجتمع: روح تقول إن السعودية لا تعيش في ظل الماضي، بل تصنع حاضرًا يستحق التاريخ أن يكتبه. لقد أصبحت المملكة لاعبًا رئيسيًا في ملفات الطاقة العالمية، وهي محرك أساس لأسواق النفط رغم التحولات نحو الطاقة النظيفة. وهي شريك متقدم في مشاريع التقنية العالمية، ولاعب حيوي في أمن المنطقة واستقرارها، ووجهة مؤثرة في الملفات الإنسانية والاقتصادية والسياسية. وقد صنعت المملكة قوتها الناعمة عبر مشاريعها الإنسانية، واستثماراتها في الشباب، وانفتاحها الثقافي، وتحولها الاجتماعي الذي جعل منها بيئة عالمية جاذبة للثقافة والفن والرياضة والتقنية. هذه القوة الناعمة تتكامل مع قوتها الاقتصادية والسياسية لتمنحها نفوذًا يتجاوز حدود المنطقة ويصل إلى نطاق عالمي أوسع. وهنا يتجلى دور سمو ولي العهد الذي استطاع أن يُقدّم للعالم نموذجًا سعوديًاحديثًا، يزاوج بين الأصالة والتجديد، وبين الثوابت والابتكار. لم يعد السؤال اليوم عن المكان الذي تريد المملكة أن تصل إليه، بل عن مدى السرعة التي ستصل بها. فالمشروع السعودي مشروع طويلالأمد، يمتد إلى عقود مقبلة، ويقوم على رؤية شاملة تشمل الاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة والبيئة. إن زيارة سمو ولي العهد لواشنطن لم تكن مجرد تقوية للعلاقات الثنائية ، بل كانت مناسبة للعالم كي يرى حجم المملكة الجديد ومكانتها التي أصبحت أكثر رسوخًا. اليوم، ونحن نعيش في عالم يبحث عن قادة يمتلكون الرؤية والجرأة والقدرة على التنفيذ، يظهر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كأحد أبرز هؤلاء القادة. قائد يصنع التاريخ، ويعيد رسم ملامح القوة السعودية، ويمنح المملكة حضورًا لا يُمكن تجاهله وتأثيرًا لا يمك نإنكاره. إنه قائد يُعيد للأمة ثقتها بذاتها، ويكتب فصلًا جديدًا من فصول الدولةالسعودية الحديثة. فصلًا عنوانه:"السعودية... حيث يولد المستقبل".