من أمام ساحل البحر الأحمر وعلى بُعد أمتار قليلة من بوابة ميناء محافظة ينبع بمنطقة المدينةالمنورة غرب المملكة، يبرز "حي الصور" التاريخي كأم أحياء ينبع ونواتها الأولى، وحاضن وشاهد الحياة التجارية والبحرية والثقافية والاقتصادية والعسكرية. الحي الموغل في القدم والذي كان ينبض بالحياة، وقام على تل بحري في الطرف الجنوبي منها، ويطل مباشرةً على ساحل البحر الأحمر، ومشرف بشكل مباشر على سواحل المدينة، بُني بطراز بناء تقليدي بحجار البحر البيضاء، وتميز بأزقته الضيقة وواجهات مبانيه التي تعلوها الرواشين أو المشربيات والأبواب والنوافذ الخشبية، المزخرفة، وبأشكالها المتعددة. ونحن ندلف إلى "حي الصور" من بوابته الموصولة إلى الساحات المقابلة لساحل البحر، وبرج ميناء ينبع، ارتسمت أمام "الرياض" ملامح الحياة الاجتماعية، وعرفنا أن الصور يجمع طبقة وجهاء وأعيان مدينة ينبع، والبيوت التجارية القديمة، حيث ضخامة وجمال الطرز المعمارية، للمباني التي اعتمدت في تسقيفها على جذوع النخيل التي تشتهر به أودية ومزارع المحافظة، وبالحجارة البحرية التي تعتبر عنصر البناء الأهم في مدن الساحل الغربي. ولم يكن "حي الصور" مجرد حي سكني فحسب، بل نافذة بحرية ميزت ينبع بارتباطها بدول مصر والشام والسودان واليمن، مما أسهم بجلاء في تبادل الثقافات والعادات والموروث، حولها لمركز تجاري يستقبل صنوف البضائع، وملتقى التجار والوجهاء والعلماء والمثقفين. ول"حي الصور" التاريخي أدوار مؤرخة في مجالات التعليم والثقافة، بل وكان مشعلا من مشاعل الثقافة والتنوير، حيث احتضن الكتاتيب، وحلق التعليم، في المساجد، ومجالس الثقافة، مما أسهم بوضوح في نشر العلم والمعرفة. وإذا كانت ينبع تشتهر بموروث وعادات وتقاليد البحر، فإن "حي الصور" التاريخ، بدأ وكأنه مخزن عميق للموروث الشعبي، من الشعر وأهازيج التي يحفظها بحارة وعمالة البحر في ينبع. الحي التاريخي بمكوناته المعمارية، وتاريخه الذي يمتد لآلاف السنين، ومخزونه المعماري، الاجتماعي والديني والتعليمي والتجاري، أصبح اليوم معلماً مهماً من معالم محافظة ينبع، من معالم الثقافة والسياحة، وواجهة سياحية، يقصدها السياح والزوار من الداخل والخارج، وملتقى سكان ينبع، حيث الفعاليات الترفيهية والسياحية. وفي عام 1438ه/2017م، بدأت هيئة التراث المرحلة الثانية من مشروع ترميم مباني حي الصور في ينبع التاريخية، كأحد مشروعات برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، ويبلغ عدد المباني الخاضعة للترميم 100 مبنى، منها 32 مبنىً تجاريًّا، ستة مبانٍ ثقافية، 12 مبنىً سكنيًّا، خمسة مبانٍ إدارية وممرات، بهدف الحفاظ على تراث المنطقة التي يرجع تاريخها إلى نحو 2500 عام. بقايا أبنية تاريخية تحت الترميم